الجمعة، 1 يوليو 2011

تذكار المحبة -- من كتاب: [مع المسيح في آلامه حتى الصليب] للأب متى المسكين



 
عظة يوم الأربعاء من البصخة المقدسة
                                                    تذكار المحبة

                                                                                    أمضى يسوع هذا اليوم في بيت عنيا 
                                                                                    في خلوة حيث تقبل من مريم هديتها.


"فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ،
وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا" (يو12:3)
- هناك خدمات وأعمال نعملها باسم الله نحو الفقراء والمحتاجين. وهذه الأعمال ممدوحة ومشكورة لأنها صادرة من شعور بالرحمة و التضحية.
- وهناك أعمال نعملها مع الله مباشرة، وهذه لا تُرى ولا يسمع بها الناس، وهي أعظم من أن تُمدَح أو يُشكر عليها، لأنها صادرة عن حب داخلي من القلب نحو الله.
- الأعمال الأولى نُمدح عليها من الناس، وربما لا نُمدح عليها من الله، اذا كانت قد عُملت من أجل مديح الناس وشكرهم وتعظيمهم لنا. أما تقدمة قلوبنا لله بأعمال المحبة المباشرة نحوه فهذه تكون صادقة ليس فيها غش او رياء، يقبلها الله كما قبل الطيب المسكوب على جسدة من مريم، هذه إذا رآها الناس أو شعروا بها فإنهم يرذلونها او على الأقل يغتاظون " وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا" (مر14:4).
محبة التمجيد:
- ما أقل الصادقين في حبهم نحو المسيح الذين يعملون ويخدمون، لا من أجل الناس ولا من أجل أنفسهم، وإنما بدافع الحب العميق للمسيح المتأجج في قلوبهم.
- حينما تقدم صدقتك للمسكين، أتشعر أنك تقدمها للمسيح بدافع الحب له؟
- حينما تصلي وتسبَّح مع المصلين، أتشعر أنك تخاطب الله بقلبك؟
- حينما تحب أهلك و أصدقاءك ومعارفك، هل تشعر أن دافع المحبة مصدره حبك للمسيح؟
- حينما تتقدم على المذبح للتناول من جسد الرب ودمه، هل تشعر أنك له وهو لك، يربطكما رباط المحبة الخالدة؟
- أن كانت أعمالك مصدرها حبك للمسيح، فثق أنك تمجد الله بمحبتك وأعمالك وقد صارت لك هذه كلها بخوراً زكياً أمام الله كل حين.
- أما إذا كانت أعمالك بدافع الواجب أو المجاملة للناس أو الفخر، فثق أنها كلها خسارة وقد صارت كالسقط الذي يولد ميتاً.


تمجيد المحبة:

- تقدمت المرأة الخاطئة بقارورة طيب كثير الثمن وسكبته على رجلي المسيح ومزجته بدموعها ومسحته بشعرها، فقال عنها المسيح انها أحبت كثيراً ولذلك غُفرت لها خطاياها الكثيرة.
- وتقدمت مريم أخت لعازر بقارورة طيب كثير الثمن أيضاً ودهنت به قدمي المسيح ومسحت قدميه بشعر رأسها. فقال عنها أنها كفنت بالطيب جسده. 
- وما أكثر الحب الأول فقد استطاع أن يكفَّر عن كل الذنوب والخطايا السالفة.
- وما أروع الحب الثاني، فقد استطاع أن يكفَّن جسد المسيح ذاته!
- الحب الأول عاد بالخير على صاحبته، والحب الثاني كان للمسيح بلا مقابل.
- ما أمجد الحب الخالص الذى بلا مقابل وبلا ثمن!
- جيد أن نحب المسيح لأنه افتدانا من اللعنة والخطية وسلطان الموت.
- وجيد أن نحب المسيح لأنه فتح لنا باب الفردوس الذي كان قد أُغلق في وجوهنا.
- جيد أن نحب المسيح الذي أهَّلنا أن نشترك معه في مجده الى الأبد.
  + ولكن أعظم من هذا كله ان نحب المسيح "لأنه هو أحبنا أولاً"(1يو4: 19)!
محبة غالية:
- من هي مريم التي قدمت قارورة طيب بثلاثمائة دينار؟ لم تكن ملكة ولا أميرة أو حتى ذات أموال، بل إمرأة فقيرة، ولكنها جمعت كل أموالها واشترت زجاجة طيب... إنه جنون المحبة الذي هزأ به يهوذا اللص الخائن، وقال عنه إنه إتلاف، أما المسيح فمدحه جدا... يهوذا قدَّره بالمال وثمَّنه كخبير في الأسعار بثلاثمائة دينار، أما المسيح فقدَّر المحبة التي فيه فوجدها تفوق الأرض وما عليها.
- إن كل خدمة نؤديها أو عطية نعطيها أو كلمة نقولها سوف يزنها المسيح بميزان الحب، وحينئذ تكون المكافأة والمجازاة، لا عن مقدار الخدمة أو عظم العطية أو قوة الكلمة، وإنما عن صدق المحبة التي دفعتنا إلى ذلك.
محبة ناضجة:
- لم يكن شعوراً طارئاً ذلك الذي دفع مريم لتقديم هديتها، ولكنه شعور بدأ عندما كانت تجلس عند قدميه، وعلمت منه سراً أنه سيموت بأيدي رؤساء الكهنة و اليهود، وأيقنت من كلام السيد أن هذا لابد أن يكون... حينئذ ابتدأ حبها ينفعل فيها لتقدم له شيئاً يليق بموته!!
- ومنذ تلك اللحظة وهي تجمع كل ما لديها حتى اشترت قارورة الطيب التي أذابت فيها كل مشاعر المحبة، وحفظتها عندها إلى أن يحين الوقت: "فقال يسوع اتركوها إنها ليوم تكفيني قد حفظته" (يو12:7).
- هذه هى المحبة التى محصها الزمن فقويت وهاجمتها شكوك النفس فثبتت وقامت ضدها حاجة المعيشة فغلبت!  
- كثيرا ما نتقدم بعمل من أعمال المحبة وإذ يُترك لنا الفرصة قليلا نتردد، وإذا طال الزمن نبرد، فإذا طولبنا بوعدنا نرفض!  
- يا ليت يكون حبنا ناضجاً عنيداً نحفظه في قلوبنا لوقته فلا تزيده الأيام إلا قوة وتأكيداً.
- قدمت مريم هديتها فى اللحظة المناسبة، إذ بعد أن دهنت رجليه بالطيب، قام وذهب الى ليصلب وترك بيت عنيا ولم يعد إليها.
- الفرص أمامك يا أخي، ولا تستشِرْني ماذا أقدم للمسيح لأن مريم لم تستشر أحداً إلا قلبها.
محبة صامتة: 
مريم حفظت الطيب عندها سراً، وقدمته صامته، ولم تتحدث عنه بعد ذلك لأحد.
 
              يا من تحب المسيح، تعلم من مريم...
 من كتاب: مع المسيح في آلامه حتى الصليب
المؤلف: الأب متى المسكين 
صفحة: 81 - 84  
الطبعة الثامنة:

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق