الأربعاء، 29 يونيو 2011

ولحق قطار المحبة



كان سامح يرقد علي سريره و وجهه شاحب و يبدو عليه المرض كان العلاج الذي يأخذه قد تسبب في سقوط شعره ॥دخلت ماما الي غرفة سامح و رأت الدموع في عينيــــــه । .قالت ماما :" ماذا حدث يا حبيبي ؟؟..هل تشعر بأي ألم أو تعب ؟.." قال سامح بصوت مرتعش :" أنا خائف ..يبدو و كأن الله بعيد عني منذ مرضت وأنا أشعر أن الله ليس موجودا ..."قالت ماما مشجعة :" ربما أشعر مثلك أحيانالكن الله وعد أن يكون معنا دائما أحيانا أشعر أنه من الصعب أن نستمر في الصلاة و في الثقة بالله لكننا نحتاج ان نستمر مصلين و واثقين فيه .."ثم جلست علي السرير بجوار سامحو قالت :" ما تشعر به ليس غريبا انه يذكرني بشئ حدث لي عندما كنت صغيرة .."قال سامح :" هل كنت مريضة ؟.."هزت ماما رأسها و قالت :" لا كنت مع أسرتي في رحلة بالقطار عندما توقف القطار في احدي المحطات نزل بابا من القطار ليشتري لنا بعض الأشياء جلست بجانب النافذة أترقب عودته كنت خائفة أن يتحرك القطار قبل عودة بابا أحسست بالراحة عندما رأيت بابا يقترب من القطار بعد عدة دقائق بدأ القطار يتحرك لكن بابا لم يكن معنا.شعرت بالخوف الشديد و بدأت أبكي خوفا من ان بابا لم يلحق بالقطار . ." قال سامح بانفعال :" هل حدث ذلك فعلا ؟؟..." قالت ماما :" لا ..كانت ماما تحاول أن تهدئني و تقول أن بابا ركب القطار لكنه لم يأت الي العربة التي نجلس فيها لم أستطع أن أصدقها و استمررت في البكاء حتي وصل بابا حيث كنا جالسين كان يمكنني أن أتجنب الكثير من القلق و البكاء لو أنني صدقت كلام ماما كلمة الله صادقة أكثر بكثير من أي شخص آخر يجب أن تصدق أن الله معنا و لن يتركنا لأنه وعدنا بذلك .." قال لها سامح :" أرني هذا الوعد في الكتاب المقدس ..أريد أن أقرأه بنفسي .."(لأنه قال ( الله ).لا أهملك و لا أتركك )

و مـــــــاذا عنـــــــــك ؟؟؟ عندما تمر بظروف صعبة (مثلا عندما تمرض أو يفقد والدك وظيفته أو يهاجر صديقك الي بلد آخرأو تحدث مشاكل كبيرة بين والدك و والدتك أحيانا تشعر ان الله نسيك ॥يبدو لك أن الله لا يهتم بك و أن تركك ॥الكتاب المقدس يؤكد لك أن الله قريب حتي و ان كنت لا تشعر بوجوده ।يمكنك أن تقلق و تخافأ و أن أتثق في وعود الله أنه قريب في كل الظروف

الجمعة، 24 يونيو 2011

التلميذ الذى وجد الله


بعد فترة طويلة من الحياة المشتركة والدراسة والتأمُّل ترك التلاميذ الثلاثة معلمهم ليبدؤا رسالتهم في العالم.
وبعد عشر سنوات عاد التلاميذ الثلاثة إلى معلمهم ليخبروه بما جرى معهم، فأجلسهم بجانبه لأنه لم يكن يستطيع الوقوف بسبب آلامه الكثيرة. فقال الأول بكبرياء: "لقد ألّفت كُتُباً كثيرة وبعت آلاف النُسخ". فأجاب المُعلِّم: "لقد ملأتَ العالم بالورق". وقال الثاني: "لقد وعظتُ في أشهر الكنائس". فأجبه المعلم: "لقد ملأت العالمَ كلاماً". ثم قال الثالث: "عرفت أنك مريضٌ، فأحضرت لك الوسادة لتضع رجليك عليها فتستريح". فقال له المعلم باسماً: "أما أنت فقد وجدتَ الله".

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مواظبين على الصلاة

مواظبين على الصلاة -- عن كتاب: [شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية] للأب متى المسكين

                               "مواظبين على الصلاة"
                                                   (رومية 12:12)

- أمر الصلاة معروف ولا مزايدة عليه، والحديث فيه يملأ كتباً، ولكن الذي يقصده القديس بولس هو المواظبة. والترجمة العربية هنا ميتة لا تفي بتوضيح الكلمة، والكلمة اليونانية معناها الحرفي "الأستمرار بعزيمة او بشدة"، وتأتي بالإنجليزية: Steadfastly continuing، ووجدتها في القاموس الكبير تعني أن يدوم بعناد ويلتصق بشدة persist obstinately . والذي نود أن نوجه إليه فكر القارئ أن الصلاة شيء، والصلاة المستمرة بشدة وعزيمة شيء آخر.

- الرب يسوع أراد مرة أن يوضح قوة الصلاة المستمرة بشدة فعرفها كالآتي: "أفلا يُنْصِف الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه ينصفهم سريعاً." (لو18: 7 و 8)

- هنا "الصلاة المستمرة بشدة وعزيمة" قد وضع الرب مواصفاتها، فهي "صراخ" وليست مجرد صلاة وكأنها تسليم رسالة، وصراخ يبدو أنه لا يَكُفُّ بالنهار وبالليل. وفي المقابل فإن الله يظهر في البداية وكأنه متمهل كأنه لا يسمع، لماذا؟ لكي يرنفع الصراخ إلى مستوى الصراخ الحقيقي. لماذا؟ لكي ترتفع طاقات الروح والوعي للتلامس مع مشيئة الله وتكون على مستواها. حينئذ يستجيب الله سريعاً دون إبطاء. فعند بلوغ مشيئة الإنسان الإيمانية الحرّة الصادقة من كل الوعي والروح والكيان إلى مستوى مشيئة الله، يتحرك الله في الحال بالاستجابة مهما كلَّف الله ذلك، حتى وإلى أن يعطي الإنسان ما لم يكن مستعداً أن يعطيه: "حوَّلي عني عينيكِ فإنهما قد غلبتاني" (نش6: 5)، "ملكوت الله يُغصب والغاصبون يختطفونه (بدموعهم)." (مت11: 12)

- في صلاتي، مثل كل من يصلّي، اكتشفت أنه يوجد على مسافة زمنية من بدء الصلاة حاجزٌ عرفته من التكرار، فهو حاجز خطر، وهو الذي تسقط عنده ألوف الصلوات فارغة، هو "حاجز الملل" فبعد أن يبدأ الإنسان الصلاة بحرارة نوعاً ما وإذ يطول وقت الصلاة وتضعف العزيمة يبدأ الإنسان يتراخى فيصطدم بحاجز الملل، فيختم الصلاة ويكتفي بالعودة إلى ما كان منشغلاً فيه. فلما تكرر الحال وتعرَّفت على حاجز الملل وأدركت أن وراءه أصبع العدو، صممت أن أخترقه بأي ثمن، فاستنجدت بروح الله، وظللت أُصلي بصراخ أنْ نجني يا رب من الملل، فنجَّاني، وعبرت حاجز الملل، فوجدت الصلاة وقد امتدت إلى ما شاء الله، حتى قلت كفى يا رب إن هذا هو الملكوت!

- ق. بولس يطلب من المؤمنين أن يتعرَّفوا على هذا النوع من الصلاة ويتخذونه عُدَّتهم في الجهاد والصبر. لذلك نجده يذكر هذا النوع من الصلاة بعد أن قال: "غير متكاسلين في الاجتهاد، حارين في الروح، عابدين الرب، فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق"، ذلك "بالاستمرار في الصلاة بعزيمة وعناد وبشدة". وفي الحقيقة فإن هذا يُعتبر بحد ذاته سراً من أسرار حياة الإيمان للإنسان المسيحي يقدَّمه ق. بولس في اختصار وفي لغة تحتاج إلى مَنْ يدقَّق فيها ويكتشف معناها ومقصدها، وهوذا الرب أعطانا أن نكشفها. فلو أنت عملت بها، عرفت معنى الصلاة وقوتها!

الخميس، 9 يونيو 2011

سر الزيجة، والطلاق -- من كتاب: [رسالة توعية] للأب متى المسكين

 ["عن كتاب: رسالة توعية" -- " صفحة: 6 - 10" -- "الطبعة الثانية: 2007"]

إن التشدّد الحادث فى العهـد الجـديد بواسطة المسيح فى أمـر الزواج والطـلاق أكـثر من العـهد القديم، راجـع إلى انفتاح الملكوت والحياة مع الله. فدخـلت عـلاقة الرجـل بالمـرأة وضـع الخـلقة الأول، كما تمسَّـك بذلك المسيح حينما سُئل:

+ "هل يحل للرجل أن يطلق امراته، ليجرَّبوه. فأجاب وقال لهم: بماذا أوصاكم موسى. فقالوا: موسى أَذن أن يُكتب كتاب طلاق فتُطلَّق. فأجاب يسوع و قال لهم من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية، ولكن من بدء الخليقة ذكرآ وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، و يكونان الاثنان جسدآ واحدآ، إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان"( مرقس 10: 2 ـ 9 )

- ونقـول إنه بانفتاح الملكـوت أصـبحت الكنيسة تمارس سر الزيجـة بين الرجـل والمـرأة لحساب الملكـوت والنسل الخـارج منهمـا. ومن هـذا المنطـلق لم تعُـدْ الزيجـة للمتعـة، ولا عـلى مستوى العـالم، بل عـلى مستوى مـيراث الملكـوت والحياة الأبـدية. ومضمون سر الزيجـة المسيحي، هو حـدوث اتحـاد سرّي بالروح القـدس بين الرجـل والمـرأة عـلى أساس اتحادهما معـًا فى جسد المسيح، فهـذا هـو الذى جمعهما إلى واحـد. بمعنى أنـه بصـلاة الكنيسة وطـلب الروح القـدس ليحـل ويبارك عـلى اتحادهما، يحـدث الاتحـاد السري بالروح القدس فى جسد المسيح. لأنـه لا يمكـن أن تحـدث وحـدة فى الكنيسة بدون الروح القـدس وبدون جسد المسيح. فلو عـلمنا أن الكنيسة تمثّـل جسد المسيح السرَّي يصبح اتحـادهما إلى جسد واحـد جـزءًا لا يتجـزّأ من كـيان الكنيسة التى هى جسد المسيح.

- فالآن ينبغى أن نتصـوّر أن اتحـاد الرجـل والمـرأة بسرّ الزيجـة، بواسطة الكنيسة، ينشئ كيانـًا جـديدًا للرجـل والمـرأة. كـيانـًا متحـدًا من  "أنا" الرجـل،  و"أنا" المـراة، هـو " أنا" الزيجـة. هـذا الكـيان الجـديد هـو مقدّس أمـام الله، يمتلكـه الزوج والزوجـة والمسيح، وهـو أعـلى من كـيان الرجـل وكـيان المـرأة منفـردين، وهـو مصـدر قوتهما وسعـادتهما فى حـياة الزيجـة الجـديدة، و كمـا قلـنا إنه ليس مِلكـًا للرجـل وحـده ولا للمـرأة وحـدها، بلّ مِلكـًا لهمـا معـًا باتفـاق وتحت وصاية المسيح وبركـة وقـوة الروح القـدس صاحب السر!!

- وطالما حافظ عـليه كـلّ من الرجـل و المـرأة، و كـرّماه وقّدسـاه، تقـدّسا به وصار ضمين خـلاصهما معـًا وقداستهما معـًا ولحساب الملكـوت؛ ولكن لا يدخـلان الملكـوت بهـذه الوحـدة المقـدسة بسرّ الزيجـة، ولكنها تؤهلهمـا لدخـول الملكوت كـلٌّ بكمـاله المسيحى، حيث هـناك تصـير الوحـدة الكـاملة الفـردية مع المسيح، لأن في الملكـوت لا توجـد ثنائيـات زيجيـة، بلّ وحـدة مـن الكـلّ في المسيح.

- هـنا اتحـاد الرجـل والمـرأة لتكـوين الكـيان الزيجـى الجـديد المتّحـد بالمسيح والروح القـدس، يدخـل فيه المسيح كعـنصـر أساسى يكمّـل بوجـوده عجـز الخـليقة ويقـدّسها لحساب الآب. والغـاية الكـبرى من سرّ الزيجـة وخلق هـذا الكـيان الجـديد من الرجـل والمـرأة واتحادهما بالمسيح، هـو النسل. فالكنيسة عينها من النسل، لأنه هـو وجـودها وحـياتها، فالنسل المتحـصّـل من الزيجـات المقدسة، هـو الأعـضاء التى تكـوّن هيكـل الكنيسة. فهَـمَّ الكنيسة الأعظم هـو النسل الذى إذا تربّى وعاش تحت مظـلّة الزيجـة المقدسة المتحـدة بالمسيح والمـؤازرة بروح الله، تضمن الكنيسة خـلاصه ليكـونوا أعـضاء فى الملكـوت. وواضـح الآن أن سرّ الزيجـة ينتهى بالملكـوت للرجـل والمـرأة والنسل.

- فالآن كيف نطـيق بعـد هـذا البنـاء لهيكـل الكنيسة ولحساب الملكـوت، و نتصـوّر أن يحـدث طـلاق؟ألا يكـون هـذا بمثابة تقطـيع الكـيان السرّى الجـديد الذى نشأ من اتحـاد الرجـل والمـرأة بسر الزيجـة، وحضـور الروح القـدس، والاتحـاد بجسم المسيح؟

- ثم ألا يكـون هـذا هـدمًا لجسم الكنيسة، وقطعـًا للطـريق أمـام الرجـل والمـرأة والنسل المـؤدى إلى الملكـوت؟
- لذلك نعـود ونؤكّـد أن سر الزيجـة وما ينشأ منـه باتحـاد الرجـل والمـرأة ليكـونا جسدًا واحـدًا فى المسيح بكـيان جـديد، هـو عـنصـر بنـاء الكنيسة. وليس هـذا تصـوّرًا أو عـقيدة أو افـتراضًا، بلّ واقـعٌ حىٌّ يَـغـَار عـليه المسيح.

- فالكنيسة التي تتهـاون فى تسهـيل الطـلاق، إنما تهـدم نفسها وتقضى عـلى مستقـبل الذين سهَّـلت لهم الطـلاق وهـذا يكـاد يكـون غـلقـًا لباب الملكـوت فى وجـوههم.

- لذلك إذا قـرأنا وسمعـنا المسيح يتشدّد فى ذلك، فالأمـر يخصّـه وهـو يَغـَارُ عـلى جسده وعـلى مستقـبل أولاده بالنسبة للملكـوت الذى كلّـفه دمـه.

- أمّـا تحـديد خطـية الزنـا أنهـا تفسخ هـذا العـقـد أو هـذا السرّ، فلأن الذى وثَّـق السر هـو الـروح القـدس، و يستحـيل أن يجتمـع الـروح القـدس والزنـا.

- فالـروح القـدس يظـلّ ساهـرًا عـلى سرّ الزيجـة يمـدّه بالمشورة والمعـونة للتغـلّب عـلى صـعـاب الحـياة، و لكـن بمجـرّد أن تحـدثخطـية الزنـا ينسحب الـروح القـدس مـن السرّ وتنفـك الوحـدة من تلقـاء ذاتهـا حتى بدون طـلاق. فالطـلاق هـنا إنّمـا يأتى تحصـيل حاصـل، فخطـية الزنـا تُحسب أنهـا ضـربة مـن الشيطـان عـنيفـة موجَّـهة لقـداسة السرّ وعـمـل الـروح القـدس. لذلك أصبحـت الكنيسة ملزمـة أن تُجـرى الطـلاق بكـل حـزن وأسى، وكأنها تجـرح نفسها و تقطـع جسدها بيدها!!

- ولكـن إن أحس الزوج والزوجـة بهـذه الخطـورة التى تبلغ حـد الجـريمة في حـق الشريك والأولاد والمسيح والروح القـدس، واستطـاع المخطئ أن يعـترف ويتذلل ويطـلب الغـفـران، فالغـفـران هـنا لا يُمنـع عـلى أساس دم المسيح القـادر أن يقـدّس بعـد نجاسة ويحيى مـن المـوت!!

+ " يَا اِمْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ اَلْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ:  لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ . فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ:  ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اِذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً" ( يوحنا 8: 10. 11)

وحينـئذ تقـوم الكنيسة بواجـبات التطـهير, وإعـادة قـوة السر.

- ولكـن بعـد هـذا نقـول إنه يلـزم جـدًا للـزوجين أن يدركـا حـقيقة سر الزيجـة عـلى هـذا الأساس، حـتى تتقـدّس عـلاقتهما معـًا بالوعـى الروحـي لقـيمة هـذا السر العـميق و الضـارب جـذوره فى ملكـوت الله.

- ومـرة أخـرى نُـوَعّـى، أن مـن الاتحـاد السري بين الرجـل والمـرأة فى سر الزيجـة، ينشأ كـيان زيجـى جـديد من الاثـنين، فائـق عـلى كـيان كل ّ منهما بمفـرده. فذات الرجـل, و ذات المـرأة, أنشأا باتحـادهما ذاتـًا جـديدة أقـوى وأعظم من كل منهما، هـي مصـدر حـبهما الشديد و مصـدر عطفهما عـلى بعـض، وهـى بمـثابة مجـال جـديد جاذب لكـلّ منهما نحـو الآخـر، هـذا يحسّه مَـنْ نجح فى تكـريم حـياته الزوجـية. فلـو انفـتح وعـى كـلّ منهما عـلى هـذه الحقيقة وعـاشا معـًا فى ظلّها, يصـعـب جـدًا, بلّ من المستحـيل أن يخـون أحـدهما الآخـر.

- لذلك أتمنى أن تتشدّد الكنيسة عـلى سمو هـذا السر العـميق والفـائق، لأن في إدراك هـذه الحقائق تتقـدّس الوحـدة، و تثمـر لحساب الكنيسة والمسيح.

الاثنين، 6 يونيو 2011

[عن كتاب: الكتاب المقدس رسالة شخصية لك -- المؤلف: الأب متى المسكين -- الطبعة الثانية: 1987م -- صفحة: 12 - 16]

      

توجد كتب علمية وتاريخية وأدبية تبحث عن الحق أو الحقيقة في كل صورها داخل الإنسان وخارجة، وتلقي أضواءً على المعرفة بكل أنواعها فيما يخص الإنسان أو الحقيقة كلها، وهذه تناسب عقل الإنسان و تهدف إلى صحة جسده وتزيد من إدراكه وتُغني من تراثه الفكري والحضاري.

ولكن الكتاب المقدس ليس كذلك، ولا ينبغي أن ندخل إليه من هذا المدخل. فالكتاب المقدس رسالة شخصية من الله للإنسان مباشرة تهدف إلى خلاصه والإرتقاء بروحه لتعده للحياة الفُضلى، أى للحياة الأبدية.

وفي هذه الرسالة يوضح الله نفسه للإنسان بصورة شخصية خاصة جداً يكشف فيها عن قدرته الفائقة لتُضاف إلى ضعف الإنسان، وعن حبه الفائق ليمتلىء به في قلبه، وعن قداسته ليلبسها فيستر بها عريه، وعن إمكانياته الهائلة في الصفح والغفران والغسل والتطهير للدخول في حياة بنوَّة جديدة لله ليرتاح ضمير الإنسان بهذا الرجاء. ثم من خلال هذا الكشف العميق عن هذه الصفات الإلهية الفعالة المحيية للإنسان يدعو الله الإنسان ويُهيَّئه للدخول معه في شركة حياة صادقة طاهرة، فلا يعود الإنسان تائهاً يتلمس الخلاص بعقله وإمكانياته.

والشركة التي يدعو إليها الله ليست وهمية ولا هي بالكلام القائم على الإقناع البشري، بل اسَّسها المسيح بدمه. إنها شركة تقوم على العطاء والأخذ: الله فيها يعطي روحه، يعطى دمه، يعطي نفسه من خلال عطاياه ومواهبه؛ والإنسان يأخذ ليزداد ارتفاعاً فوق نفسه وتزداد إمكانياته في استيعاب أمور فائقة على إمكانياته، لأن هذا من صميم طبيعة عطايا القدير.

ولكن أعجب ما في هذه الشركة أن عطاء الله لا يتوقف على أخذ الإنسان، فالله يعطي مواهبه بالروح بلا حدود، بلا كيل ولا ميزان، حسب سخاء طبيعته الفائقة. لذلك أصبح الجهد كله متوقفاً على قدرة الإنسان في التصديق، ثم الأخذ، ثم الإستيعاب.

بهذا تنكشف وتجدد طبيعة الكتاب المقدس أمامك إيها القارىء، فأنت حينما تقرأ الكتاب المقدس لا ككتاب معرفة وعلم إنما كرسالة من الله لك شخصياً، كصك ميراث به حقوق مختومة بعهد الله، فلن تعود مجرد قارىء بل آخذاً ووارثاً. ولا يعود الكتاب المقدس كتاباً للقراءة للعلم، بل صك ميراث ومفاتيح خزائن لعطايا ومواهب إلهية، وفي كل عطية مطبوع اسم وختم الله وصورة شخصية ليسوع المسيح، صورة حية مهداة لك لتضعها في القلب إن كنت تصدقة وتأخذ وتملك، فتحييك وتجعلك أكثرر شبهاً لله وتحركك وتدفعك وتشجعك لتدخل إلى عمق أكثر في هذه الشركة، في البر، في القداسة، في الحق.

                                                       * * *

كل الذين دخلوا في هذه الدائرة – دائرة الرسالة الإلهية – أى الكتاب المقدس، تعرَّفوا على الله وقبلوا منه دعوة دائمة للدخول إليه وانفتحت امامهم خزانة عطايا الله ليأخذوا على قدر سعيهم في الأخذ، فاستوعبوا كل مقاصد الله، وتعرفوا على إرادته الكاملة المرضية من نحوهم، وقليلاً إذ حل الله في أحشائهم دون أن يدروا تغير حالهم وتبذل شكلهم وتجدد ذهنهم وتقووا من ضعفهم، وانطلقوا يبشرون بما رأوه وسمعوه وذاقوه، خبرات فوق خبرات، وهكذا تحول الإنجيل فيهم من رسالة إلى خزانة إلى شهادة، ثم بشارة بحب الله الفائق.

ولقد تجمعت شهادات الذين ذاقوا الرب واختبروه في مجال الكتاب المقدس على مدى الأجيال حتى صارت هذه الشهادة بحد ذاتها جزءاً لا يتجزأ من صميم رسالة الإنجيل الذي يؤكد لنا ربحنا المضمون، وتحرضنا على دخول هذا المجال واثقين من النهاية قبل البداية!

بصمات الكلمة على القلب:
حينما تقرأ الكتاب المقدس، كرسالة خاصة لك آتية إليك من الله، بوعي روحي والقلب يكون مفتوحاً ومستقبلاً باستعداد الطاعة و الفرح، تأخذ الكلمات مسارها إلى أعماق الضمير والوجدان الروحي، فتحرك وتشكل وتطبع تأثيرها الإلهي الفعال كبصمات حية مميزة لمشيئة الله ومسرته ينتعش لها الضمير وتسل لها الدموع من فرط الإنطباع المريح الذي تتركه الكلمة على الإرادة والضمير، فتصيغ النفس صياغة جديدة أكثر قرباً واكثر شبهاً لإرادة الله ومسرته فتدفع الإنسان للشكر والإستزادة من التقدم نحو الله في نور الكلمة. وكأنما المسيح يمسك بيد الإنسان ويقوده ليعبر به مآزق الحياة وظلمات هذا الدهر حتى يوصله إلى قلب الله الآب.

صراع منهجين:
وهكذا إذا أخذنا الكلمة مأخذاً عاماً بالفكر الحر المطلق فقط، فإنها تحرك العقل للفحص والسؤال ثم الشك. ولكن إذا أخذناها مأخذاً شخصياً بالروح المنسحق – كما قلنا – كرسالة حية، فإنها تحرك القلب للتطهير والتقديس والنمو بكل تقوى وكل إيمان.

هذان المنهجان قائمان أمامك أيها القارىء، ولك أن تختار:
فإذا اخترت المنهج الأول دون الثاني، تتلقفك في الحال علوم الفحص والتحليل والنقد، وأخيراً ظلمة الشك.

أما إذا اخترت المنهج الثاني، فإنه تنبري لك خبرات الآباء والأنبياء والرسل والقديسين تزكي لك سيرة القداسة وشهادة الروح في عمق الضمير لتبني عليها حياتك الجديدة بإيمان اختباري، فتستطيع أن ترد على كل تشككات الفكر وعلوم النقد والتحليل من إيمانك واختبارك.

ولكن أخطر الأمور أن يبدأ الإنسان بالمنهج الأول، لأنه سريعاً ما تنصد النفس عن علم لا عائد له ولا سند، وبهذا يصبح الكتاب المقدس ثقلاً على العقل وربما عدواً للضمير الذي لا يجد فيه راحته فيخافة ويحتقره ويتحاشاه، لأنه كلما اقترب منه يشعر باغترابه عن الحق، وبالتالي يشعر ببعد الله عنه!

أما إذا توفر الإنسان في بدء حياته على المنهج الثاني فإنه سيختبر كيف تقبل النفس على الكتاب جائعة إليه، كخبز كل يوم ليومه، كلما أكلت منه عادت إليه أشد جوعاً، ولكما ارتون بمائه الحي زاد تعطشها نحو الله وانطفأ عطشها نحو العالم. وكلما كثر تطلعها القلبي نحو مصيرها الأبدي؛ كلما انطبع نور وجه الله عليها كختم منير دون أن تشعر هي بشىء، فيراها الناش مضيئة، بينما لا ترى هي من ذاتها إلا ضعفها المحصور في حب الله!! وحينئذ تستطيع النفس أن تواجه باتساعها واستنارتها وحبها كل تحديات علم العالم وتشككه، وكل عنف عقل الإنسان عندما يضيق باتساع حب الله وتنازله في كتابه المقدس

إذن، فمشكلة تحدي العلم كمنهج يصارع العقل والمنطق والضمير عند تناول الكتاب المقدس هي مشكلة محلولة عندما يبدأ الإنسان بالروح لا بالحرف، بالخبرة قبل الدرس، بالرؤيا قبل السير، بالحب قبل التأديب.

السبت، 4 يونيو 2011

رسالة كتبت لأحد الأحباء (في مناسبة انتقال الابنه الوحيدة له)

                 
                           


عزيزي وأخى في الرب نعمة و بركة و سلام لشخصك المحبوب.أتعشم في وجه ربنا يسوع المسيح أن تكون في ملئ تعزية الروح القادر أن يسكب في قلبك من فيض مراحمه هبة السلام لتظل في تعزية دائمة.

- لقد تأخرتُ في الكتابة إليك، و كأنما قد ادخر الله كل مشاعري نحوك لأُقدَّمها في الوقت الُمعين، إن كان خطابي هذا ربما يكون آخر ما وصلك من تعزيات. كما أظن أنى قد أضعتُ فرصة حسب منطق الناس، إذ اعتقد أن انتقال ابنتنا المحبوبة ( ... ) ليس بحادثة تُنسى أو يتقادم عليها العهد بمضيَّ الزمن. غير أنى اقصد في تعزيتي شيئاً أسْمى مما يتعارف علية الناس الذين يعتبرون التعزية اشتراكاً في الحزن أو دعوة إلى نسيان الحزن ذاته، بل أرجو بنعمة ربنا الرب و معونة الروح القدس أن أكشف لمحبتك شيئاً أسْمى عن حقيقة ذلك الانتقال الذي حازته ابنتنا المحبوبة.

- فان كان يُخطئ الكثيرون بجعل الموت واقعه من وقائع الحياة، إلا أننا نعتبره حياةً واقعة نحياها في هذا الدهر، فنحن نحيا الآن حياةً قوامها الموت يتخللها في كل مرحلة من مراحلها ويعمل في كل عضو من أعضائنا في كل لحظة إلى أن يتم عمله فينا وتكمل حدوده، وحينئذ نعبُر هذه الحياة المائتة لنحيا حياة الأبد غير المائتة . فالموت إذن كائن معنا في صميم كياننا وفي داخل كل عضو من أعضائنا يعمل فينا بشدة بالرغم من تجاهلنا. 

- ونحن لو توخينا الحقيقة و تأملنا ملياً في موضوع الموت، لوجدناه أهم و أعظم موضوع في هذه الحياة الحاضرة. بَيْد أني أريد أن أقول إنة ليس أعظم موضوع فحسب، بل هو أسْمى من أن يُدعى موضوعاً، إذ هو في حقيقته عملية تجريد كامل لكل موضوع و كل اهتمام في هذه الحياة. فالموت يُجرد الإنسان تجريداً من كل شيء حتى ذاته التي يعزها و يُحبها، ولا يبقى للإنسان إلا روح الحياة ذاتها وما ينسجم مع الخلود. فكأن الموت والحياة هُما خلاصة حقيقة الإنسان، وحتى الحياة مدينة في تكميلها ودوامها إلى الموت، ولذلك نجد إن كل نفس تشتهي حياة الخلود لا تجزع من الموت لأنه بابُها و الطريق إليها.

- وحينما تسمو روح الإنسان وتتكشف أمامه هذه الحقائق الثابتة ويعرف إن الموت كائن فيه ومُمكن أن يتم فيه  في أي لحظة، فإنه يشعر بما تتصف به الحياة من بطلان، فلا يعود ينطوي تحت مغرياتها ولذلتها، ولا تعود الأشياء التي في هذا العالم تستأثر بتفكيره واهتمامه بالحياة الخالدة واعتباره بأهمية الموت وحقيقته. ويستطيع الإنسان الواعي لوجوده أن يدرك بسهولة انه موجود ليموت و أنه يموت ليحيا.

- ومهما حاولنا أن نُخفى هذه الحقيقة الجوهرية عن أنفسنا، أي أننا موجودون للموت؛ فهي لابد وأن تستظهر على جميع معارفنا و إدراكتنا يوماً. ويُخطئ الكثيرون إذ يعتبرون الموت حادثاً اضطرارياً فيمثلونه بالجبار الطاغي الذي يخطف الناس و يبتلع البشر، مع أن الموت كما قلتُ لمحبتك ليس بعامل خارجي عنا، بل هو فينا  يكمَّل وجودنا و يسوقنا إلى حياة أفضل.

- لذلك لا نستطيع أن نقول أنة قاسٍ أو طاغٍ أو ظالم، فهذه أوصاف جاهلة لعدو غير موجود أصلاً. وإن شئت فقُلْ إن الموت يعمل بهمة ونشاط من اليوم الأول الذي نُولد فيه، ونحن نتركه يعمل فينا بحريتنا إذ نتقبل وجودنا وحياتنا بمسرة وبمنتهى الحرية، فنحن نتقبل الموت أيضاً كذلك لأنه جزء لا يتجزأ من وحودنا، إذ لا يُمكن أن نفصل الموت عن الوجود بأي حال من الأحوال. والذي لا يريد أن يقبل الموت فهو ينكر وجوده، وهذا منتهى الجهالة بالحق، فالوجود هو الله.

- وعلى هذه الحقيقة العظمى "الوجود هو الله"، نقرأ قول السيد إن: " مَنْ أهلك ذاته من أجلي يجدها ".  وهذه دعوة عجيبة لتحقيق الوجود في الخلود على أساس إماتة ألذات! ولكي يؤكد السيد المسيح هذه الحقيقة العظمى عاد فعكس الوضع ليُظهر منتهى الخسارة التي تعود على مَنْ يتجاهل أهمية الموت قائلاً: " و كل مَنْ وجد ذاته يُضيعها" (مت10:39). وهذا أيضاً تحذير عجيب من ضياع الوجود والخلود بسبب الإبقاء على الذات. هذا هو الموت الذي يريد بعض الناس أن يتجاهله و يخشاه البعض الآخر، ويعتبره الجميع عدواً، مُعطين إياه ركناً مظلماً في مشاعرهم، جاعلين إياه خاتمة حزينة للحياة، مع أن الموت كما شرحتُ لمحبتك هو نسيج الحياة: سُدَته الأيام و لُحْمته الآلام، فاليوم فرسخ من فراسخ الموت، والألم موت لم يتكامل بعد.

- فإن كان يستطيع أحد من الناس أن يتجاهل الأيام أو يتجاهل الآلام،  صحَّ له أن يتجاهل الموت، وهل يُمكن؟!

- إذاً، فليس في الوجود حقيقة أظهر من الموت و لا أهم منه إلا الحياة ذاتها، والموت طريقها. ولكن هل يُمكن أن نتقبل الموت في أحبائنا دون أن نتألم ؟ إن منْ يقول ذلك فهو يتجاهل الحقيقة أو يجاهلها، و كل مَنْْ يدعو إلى ذلك فهو إنما يُحاول إن يُجرَّد الإنسان من عواطفه و مشاعره.

- وها أنا بكتابتي إليك، انزع إلى توضيح قيمة الموت و تعظيمه، لأن في ذلك تلامساً شديداً مع الحق. كذلك فإني لا أريد أن أستصغر قيمة الألم، بل على النقيض أود لو أستظهره و أستوضحه لان في ذلك تلامساً أشد مع الحق، إذ أن الألم لازمة من لوازم العنصر الإنساني، بل إنه كلما ارتقت مشاعر الإنسان وازداد نُبْله ازدادت قابليته و استشعاره  لنواحي الألم العديدة. وها هو السيد المسيح يدخله  كعنصر أساسي في برنامج الخلاص الأبدي و يضع ذاته تحت كل مطالبه، و لم يتجاهل الموت المتحصَّل منه (من الألم)، بل كان يرى ظل الصليب ينعكس على كل خطوة و يمتد أمامه في الأفق البعيد فتقبَّله بل وارتقبه. وهو لما تحمل الآلام تحملها دون أن يكون مستحقاً لها، فاستطاع أن يُقدم لنا حلاً و جواباً عملياً مقنعاً لأعقد مشكلة واجهت البشرية، وهى: "لماذا أتألم ؟" فهو تألم مع كونه غير خاطئ وبالتالي غير مستحق للألم و لا للموت، ولكنه قََبِلَ أن يتألم بإرادته ومسرته ليرفع قيمة الألم أمامنا من مُجرد عقاب على خطية إلى صورة رائعة من صور المحبة ! المحبة من نحو أبيه ومن نحونا، هذه المحبة التي حوَّلت – في اعتباره - الألم إلى لذة، و بذلك لم يعُد الألم في طريق حياتنا عقاباً على خطية، لأن المسيح بآلامه و فىَّ جميع ديوننا، بل صار الألم طريقاً عمليا لإظهار الإيمان بقبول الألم بمسرة كمشاركة فعلية في يوم الصليب.

- ونحن لم يُوهب لنا في عالمنا الحاضر فرصة أو وسيلة يُمكننا أن نُعبَّر بها عن حبنا للمسيح أعظم من أن نتألم فرحين، على حد قول بولس الرسول مكمَّلين آلام المسيح في أجسادنا  وحاسبين أنفسنا أهلاً أن نتألم معه على نمط تألمه؛ أى عن حب لا عن اضطرار.
- وإن كان يدَّعي بعض العلماء و الأطباء أن الانتصار على الألم يكون بتجاهله أو الانشغال عنه بنوع من أنواع التسلية اللذيذة، إلا أن هذا ليس بالنصح الرشيد، فلن يُمكن الانتصار على الألم بتجاهله أو بالانشغال عنه، لأنه بذلك لن يكف عن أن يهدَّ في كياننا العصبي والنفسي، ولن يتم الانتصار على الألم إلا بتقبلُّه قبولاً حُراً متعرفين على أسبابه و أهدافه، إذ أن قبول الألم و الارتضاء به فيه نصرة أكيدة وعجيبة، خصوصاً إذا كان قبولنا له على أساس حبنا للمسيح و مشاركتنا حياته، كما تقبَّله المسيح حباً لأبيه ولنا. ويقول الرسول عن ذلك معبراً تعبيراً عميقاً: "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أن تتألموا من أجله" ( في 1: 29). وفي هذا أيضاً يفتتح يعقوب الرسول رسالته قائلاً: " احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع1:1)

- هوذا يا أخي نحن نودع هياكل أجسادنا التراب لتَبلَى وتعود إلى التراب الذي نمت وتربت فيه، أما هياكل أرواحنا فهي أعظم من التراب و أعظم من الكاتدرائيات العظمى التي نظن إنها تُقدَّس أرواحنا، لأن روح الإنسان من الله. لهذا فهي لها كرامة أفضل بقدر فضل باني البيت عن البيت نفسه، فإن كانت علائق حبنا ورُبُط أُلفتنا جسدية فقط، فما أضعفها علائقَ و ما أهونها رُبُطاً، لأنها تكون وشيكة الضياع سريعة الزوال، والزمن الحقير في سنين يسيرة قادر أن يُضعفها و يمحوها !

- أما إذا كانت أُلفتنا روحية و حبنا ووحدتنا قائمتين على أساس عمل المسيح في توحيد المؤمنين به، فهذه تكون أُلفة الأبد ومحبة الخلود التي لا يقوى الزمن مهما طالت به السنون أن يُضعف من شدتها. فهل نرفع علائقنا بأحبائنا  سواء الذين سبقوا فرحلوا أم الذين أُعطِى لهم زمانٌ قليلٌ بعد  فنكمَّل معهم وحدة الخلود الأبدية في شخص المسيح؟ فلا تعود العواطف الجسدية والحنين إلى صور الوجوه فقط يستأثر روحنا، بل نسمو بأرواح أحبائنا و صورهم لنراها حية خالدة مطبوعة على قلب المسيح يربطنا بها روح المسيح الحي فينا.

- نعم ليتنا نسمو في تقديرات حوادث هذا الدهر، عالمين أن كل ترتيبات البشر الزمنية ستؤول حتماً إلى الانحلال ثُم إلى الزوال، ولن يبقى من هذه الضجة الكبرى التي نحن في موكبها، من الطفولة إلى الانتقال، إلا ما ينسجم مع قانون الخلود.

- وسيان ما تُبْطنه الحوادث وما تُظهره، أكان جميلاً مسراً أم أليماً مُحزناً. نعم، سيان ما تبطنه الحوادث، فكل الحوادث التي نعبُر بها أو تعبُر بنا، سوف تتصفي جميعها و تغتسل في نهر الحق الأبدي، و لن يبقى من كل ما عملت أيدينا و ما اشتهت قلوبنا إلا ما هو جليل و حق.

- وما أعظم الحياة التي تتلامس نسماتُها التي تنبعث من قلوبنا مع الحق و مع الله! فحياة مثل هذه تخط ُّفي كياننا الروحي صورة ملموسة عن الخلود الذي نحسه و نُحبه. و لو انكشف الحق في قلوبنا، لأدركنا إننا نجاهد يومنا و عمرنا لحساب هذا الخلود الذي سنحياه،  ولصار بذلك أمر الموت مبهجا عندنا كالحياة.

- لذلك أكتب إليك أيُها الأخ العزيز إلى نفسي و إلى قلبي، يا منْ استودعت ابنتك  لدى أذرع يسوع التي هي أحسن و احنُّ و أحبُّ من ذراعيك، لكي تتعزى تعزيةً حقيقية دائماً، لا بتناسي الموت بل بتذكُّره, عالما أن ( ... ) قد انتقلت لتكون أكثر قُرْباً إلينا، إن كُنا نحيا في حقيقة الحياة لا في صورها الزائفة.

        كُنْ معافى باسم الثالوث الأقدس.

                                                                          
                                                                          القمص متى المسكين
                                                                  (عام 1959م)

الجمعة، 3 يونيو 2011


- حقيقة عملية غابت عن كثيرين فاختل ميزان حياتهم: إذ يستحيل أن يعيش الإنسان حياة الصلاة و التأمل بصورة كاملة سويَّة وفيض روحي لائق ونافع دون استيفاء حق ميزان الحياة: حياة "العطاء و الأخذ"

- ولن يتكامل منهج الروح إلا إذا تعادل استيعاب الإدراك والرؤيا والفهم، مع التعليم والشرح للمجاوبة عن سبب الرجاء الذي حصلنا عليه.

- فالكلمة التي قالها الرب: "مغبوط هو العطاء أكثر من الأخذ" (أع35:20) توضح اهتمام الرب بصحة المنهج والميزان بين حياة الإخذ جملةً وتفصيلاً و بين حياة العطاء، ليس بما يقدمه الإنسان من ماله وحسب بل ومن كل ما يمكن أن يتحصل عليه الإنسان بقلبه وفكره و يده.

- والميزان الصحيح المعتمد لدى الرب هو أن يميل الإنسان أكثر ناحية البذل والعطاء؛ الله ينحاز صراحة للعطاء الأكثر من الواجب و الأكثر من المعقول "...هذه الأرملة الفقيرة قد ألقت أكثر من جميع الذين ألقوا في الخزانة، لأن الجميع من فَضْلَتهم ألقوا. وأما هذه فمن إعوازها ألقت كل ما عندها كل معيشتها" (مر12: 43 و 44)، المسيح هنا يضع قاعدة للحب و الوفاء لا يدركها إلا من تجاوز تفكيره الحلول الوسط و الإلتزام بالناموس وحدودة. "أن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبعْ أملاكك ... وتعال أتبعني"(مت21:19)!! هنا يظهر ميزان الرب الحقيقي وتنكشف القاعدة التي يفكر بها المسيح و يتحرك. أَلاَ إنه سائر إلى الصليب؟؟؟ أَلاَ إنه يدعونا لنسير معه على نفس الدرب "إسهروا ... أهكذا ما قدرتم أن تسهروا معي ساعة واحدة!؟!"(مت26: 38 و 40)


 سر ثقل كفة العطاء:
ولكن هناك سر عجيب مخفي وراء جرأة تطبيب(ترجيح) كفة العطاء والبذل عن كفة الأخذ - هذا السر هو أن كفة العطاء منقوش عليها وملصوق في قعرها 1×100 نقشاً سرياً، والثقل الملتصق أسفلها تضعه كل مرة يد خفية لا يراها الذين يعايرون.

- هذه الحقيقة مثيرة للغاية لا تُكشف إلاَ للذي صمَّم على العطاء و بدأ ينفَّذ بالفعل. فنحن نضع حياتنا وما نملك على كفة العطاء. وإذ بالكفة تُسجل على المؤشر مائة ضعف ما وضعنا، تسجَّله لحسابنا في هذا الدهر، و يرفع الحساب ليحتسب رصيداً في ملكوت الحياة الأبدية.

- والذي نقدمه للمسيح هو بعينه الذي نقدمه لأحد هؤلاء الأصاغر!! فالكفة الأخرى، كفة العطاء، هي هي يد الرب مختفية في شكل طبق أو صندوق، أو حتى يدِ فقير أو أرملة، أو ربما فمِ جائع أو قلبِ حزين أو نفس متوجعة!!!

- نعم إذن، كلما طبت (رجحت) كفة العطاء بشدة، كلما دلَّ ذلك على صحة الميزان الذي يحكم حياتنا. فالعطاء غير المعقول هو العقل بعينه، و البذل "بجنون" هو منتهى الحكمة، فإذا بلغ العطاء حد تقديم الحياة نفسها حتى إلى سفك الدم، توقف الميزان وصار يؤشر إلى أنه الآن قد غُفرت جميع خطاياك ومُسحت جميع آثامك وذنوبك، وعوض ثقل الخطية حلت النعمة وازدادت جداً.

- حقاً أنه ميزان عجيب للغاية يشتهى الإنسان شهوة أن يضع فيه كل شيء بل كل حياته، وطوبى للذي استطاع أن يأخذ عن صحة بسهر الليالي، ودموع التوسل، ونهم الإغتذاء بكلمة الحياة: : "وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي" (إر16:15)، والإلتصاق بتجَّار الروح وحرَّيفي الإنجيل، ليكون دائماً على استعداد لمجاوبة كل من يسأل عن سبب الرجاء الذي فينا، و يكون له ما يعطي من كل نوع، و لا يخجل يوم تقديم حساب الوكالة.

رحلة مع عظات وكتب أبونا متى المسكين: التعمق فى الله يستحيل بدون التعمق في كلمة الإنجيل ...

رحلة مع عظات وكتب أبونا متى المسكين: التعمق فى الله يستحيل بدون التعمق في كلمة الإنجيل ...: "ليكن معروفاً لديكم أنه بدون إختبار الرب من داخل الكلمة - كلمة الإنجيل المحيية - يستحيل التعمق في الله. فالإختبار الروحي هو المنطلَق الوحيد..."

الأربعاء، 1 يونيو 2011

الايمان العامل بالمحبه

قصة شراء أرض "كنيسة مار جرجس" اسبورتنج بالإسكندرية -- من كتاب: [السيرة التفصيلية لأبونا متى المسكين]



* اختيار أرض لبناء كنيسة مار جرجس باسبورتنج:
عندما كان أبونا متى المسكين وكيلاً للبطريركية بالإسكندرية (مارس 1954 - مايو 1955)، وجدوا مكاناً لائقاً لبناء كنيسة. وكان ملعباً لطائفة الأرمن في اسبورتنج، وذهب أبونا متى مع الأخ سامي كامل (أبونا بيشوي كامل)، وأخذ أبونا متى ماء مُصلَّى عليه ورشَّ المكان وقال: "هذا المكان تشتهي الملائكة أن تكون فيه كنيسة". وتحققت أمنية ابونا متى.


* قصة شراء أرض كنيسة مار جرجس باسبورتنج:
- أما قصة شراء الأرض التى بُنيت عليها كنيسة مار جرجس باسبورتنج، فكانت كالآتي:
هذه الأرض كانت ملعباً لطائفة الأرمن، وكان مؤجراً من هيئة الأوقاف الإسلامية. وتفصيل ذلك، كان وزير الأوقاف، في ذلك الوقت، هو الشيخ أحمد حسن الباقوري. وكان أبونا متى قد قابله قبل ذلك في مدينة حلوان لأنه كان يسكن بجوار الشقيق الأكبر لأبينا متى، وتكلم معه أبونا متى. وقال أبونا متى لأعضاء المجلس الملي، إن هذا الرجل متسع الفكر وغير متعصب. وأمْلَى أبونا متى لأعضاء المجلس الملي ماذا يفعلون. قال لهم: جهَّزوا كل الأوراق واذهبوا إلى الشيخ الباقوري. ومعكم كل الأوراق اللازمة، وعندما تتقابلون معه تقولون له: نحن قادمون من عند أبينا متى وكيل البطريركية في الإسكندرية. فيقول لكم: أهلاَ وسهلاً، أي خدمة. فلما يسألكم تردون عليه: البطريركية في حاجة لقطعة الأرض التابعة لهيئة الأوقاف والتي تُستخدم كملعب لطائفة الأرمن، لإقامة كنيسة أرثوذكسية. فيقول الرجل: هذه هي كلها بيوت الله، ولكن احذروا أن تكون هناك ورقة واحدة ناقصة، لئلا يتعوَّق الطلب. وهكذا كان.

أما من ناحية الأرمن، فقد كان لنادي الأرمن هذا لجنة يرأسها واحد من تجار الجلد وكان رهيباً في مناقشته لكي تتخلى اللجنة أو تتنازل عن تأجيرها لقطعة الأرض هذه. وقال أبونا متى للمجلس الملي: هل لكم إيمان أن يكون هذا المكان كنيسة؟ وطلب أبونا متى مقابلة هذا الرجل الأرمني. وحيَّاه أبونا متى وكرّمه وقال له: إن بُنيت كنيسة على هذه الأرض تكون بركة لك ولأولادك وبركة للشعب القبطي، وما تطلبه بنفسك وما يخرج من فمك بتحديد أي مبلغ سأعطيه لك فوراً والآن. فذُهل الرجل وذكر مبلغاً يُرضي ضميره وأخذ طلبه. و الوزير نفسة قال فعلاً: "كلها بيوت الله"، وبكل سرور وافق على بيع الأرض.