الاثنين، 30 أبريل 2012

تحقيق ؤالنبوات

تحقيق النبوات

الأنبا بيشوى
مطران دمياط وكفر الشيخ والبرارى ورئيس دير القديسة دميانة

وسكرتير المجمع المقدس للكنيسة القبطية بمصر

 

لماذا ولد السيد المسيح فى بيت لحم؟

إن السيد المسيح هو ملك الملوك، ورب الأرباب. وقد أراد بميلاده فى بيت لحم أن يعلمنا الإتضاع، وأن الكرامة الحقيقية تنبع من الداخل وليس من المظاهر الخارجية. فالحب مجد، والكراهية عار. فليس المجد فى الملابس الثمينة الغالية الثمن أو الذهب. فالإنسان الأصيل هو الذى معدنه مثل الذهب، هذا هو الإنسان الذى له المجد الداخلى. وهذا هو أول درس يعلمه لنا السيد المسيح من ميلاده فى حظيرة للأغنام. وهناك دروس أخرى هامة من الممكن أن نتعلمها من قصة الميلاد.

هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم
لقد ولد السيد المسيح فى وسط الأغنام لأنه هو حمل الله، وكما قال يوحنا المعمدان "هوذا حمل الله الذى يرفع خطية العالم" (يو1: 29). فكان من الطبيعى أن الخروف الذى سيحمل خطية العالم، والذى سيذبح من أجل خلاصنا؛ أن يولد فى وسط الأغنام
أو الخرفان. وبالأخص فى مدينة بيت لحم حيث المراعى الكثيرة.
فبيت لحم كانت تُربَى فيها الأغنام حيث المراعى الكثيرة. كما أنها كانت قريبة من أورشليم. وأيضاً يوجد بها هيكل سليمان الذى كانت تقدم فيه ذبائح لغفران خطايا الشعب فى العهد القديم. وهذا الغفران كان رمزاً للغفران الحقيقى الذى تم بذبيحة الصليب، وذلك عندما سفك المسيح دمه على الصليب، ومات من أجل خطايانا، ثم قام من الأموات، وصعد إلى السموات. فكان من الطبيعى أن الحمل يولد فى وسط الحملان. وهذه نبوة واضحة جداً عن أنه حمل الله الذى يحمل خطية العالم كله.

معنى الفداء
أمر الله إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده إسحق، فأخذ إبراهيم ابنه إسحق وربطه، ووضعه على الحطب حتى يذبحه، فمنعه الله وأرسل إليه خروفاً، فأخذه إبراهيم وذبحه عوضاً عن إسحق حسب أمر الرب. أى أنه قد فدى إسحق بهذا الخروف، وهذا هو معنى الفداء.
إن السيد المسيح قد جاء لكى يقدم نفسه فدية أو ذبيحة من أجلنا. وكان الدافع لهذه التضحية هو محبته لنا. وذلك لكى يوفى الدين الذى علينا بسبب الخطية. فبميلاد السيد المسيح فى وسط الحملان، أراد أن يوضح لنا من أول لحظة لميلاده فى العالم، أنه لم يأتِ لكى يتنعم بالحياة على الأرض، بل لكى يقدم نفسه ذبيحة. ففى الميلاد نرى الصليب بطريقة رمزية واضحة فى الأحداث المحيطة بالميلاد.

الرب راعىّ فلا يعوزنى شىء
إن السيد المسيح هو الراعى، وهو الحمل أيضاً. فمن الطبيعى أن يكون الراعى فى وسط الأغنام. لأنه إن لم يولد فى وسط الغنم فمن الذى سوف يرعاهم؟!! إن وجوده فى وسط الحملان أو الغنم؛ يعلن أنه هو الراعى الحقيقى، وكما يقول المزمور "الرب يرعانى فلا يعوزنى شىء. فى مراع خضر يربضنى، على مياه الراحة يوردنى، يرد نفسى، يهدينى إلى سُبُل البر من أجل اسمه" (مز22: 1-3).
فمن الذين بشرهم الملاك بميلاد السيد المسيح فى ليلة ميلاده؟ إن المجوس قد أتوا بعد فترة عندما ظهر لهم النجم فى المشرق، وأتوا وقدموا هداياهم. فمن الذين احتفلوا بميلاد السيد المسيح فى ليلة ميلاده؟!! إلى جوار السيدة العذراء القديسة مريم والدة الإله، وخطيبها القديس يوسف النجار الذى كلفه الله برعاية السيدة العذراء والطفل المولود، وطبعاً لم يكن متزوجاً من العذراء بمعنى الزواج الجسدى؛ لكنه كان حارساً وخادماً للطفل المولود لكى يؤدى رسالته، وإلى أن يكبر هذا الطفل وتبدأ فيما بعد خدمته من أجل خلاص العالم.

بشارة الملاك للرعاة
"وكان فى تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم. وإذا ملاك الرب وقف بهم ومجد الرب أضاء حولهم، فخافوا خوفاً عظيماً. فقال لهم الملاك: لا تخافوا؛ فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب. إنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب. وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً فى مذود. وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين. المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 8-14).
فالذين بُشروا بميلاد السيد المسيح، ونظروا هذه المناظر السماوية العظيمة، وسمعوا البشارة المفرحة بميلاد المخلص؛ هم الرعاة الذين يرعون الغنم. لأن هؤلاء هم زملاء السيد المسيح راعى الخراف العظيم وراعى الرعاة ومن الطبيعى أن يحتفل السيد المسيح بميلاده فى وسط زملائه.

أنا هو الراعى الصالح
لقد ولد السيد المسيح فى وسط الأغنام. لأنه هو الراعى. والذين أتوا لكى يباركوا لولادته هم زملاؤه الرعاة. فمسألة أن السيد المسيح هو الراعى مسألة خطيرة جداً، وهامة جداً. لأنه هو نفسه قال "أنا هو الراعى الصالح. والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). وأيضاً قال "لهذا يحبنى الآب لأنى أضع نفسى لآخذها أيضاً" (يو10: 17).
وقد كرر السيد المسيح أنه هو الراعى الصالح، وأكد أنه قد أتى لكى يقدم الرعاية الحقيقية باعتباره أنه هو الله الظاهر فى الجسد. وهو الله الراعى الحقيقى. كما قال داود النبى "الرب يرعانى فلا يعوزنى شئ" (مز22: 1). فكان لابد أن السيد المسيح يكون هو الراعى. لأن الرعاة الذين هم كهنة إسرائيل كانوا قد أهملوا الرعاية. فكان لابد أن يأتى رئيس كهنة جديد يكون هو الراعى.
إن رعاة إسرائيل هم الذين صلبوا السيد المسيح. لذلك تغير الكهنوت من كهنوت العهد القديم الهارونى إلى كهنوت العهد الجديد على رتبة ملكى صادق. أى كهنوت السيد المسيح الذى يقدم فيه جسده ودمه فى العهد الجديد بعد إتمام الفداء. خبز وخمر حاضر على المذبح، نتناول منه من أجل غفران خطايانا، ونيل الحياة الأبدية. فالسيد المسيح هو نفسه الذى أسس سر العشاء الربانى فى ليلة صلبه، وأعطاه لتلاميذه وقال "اصنعوا هذا لذكرى" (لو22: 19) أى تذكاراً حياً معاشاً لموته على الصليب وقيامته من بين الأموات.

لماذا اختار الملاك الرعاة؟

إن هناك فرق بين راعٍ ساهرٍ على حراسة الرعية؛ وبين راعٍ يبدد الرعية. وهنا نسأل ما هو السبب فى اختيار الملاك لهؤلاء الرعاة إلى جوار أنهم كانوا ساهرين؟ السبب إن هؤلاء الرعاة كانوا يبحثون عن الخلاص. والدليل على ذلك؛ أنه عند ذهاب السيدة العذراء مريم إلى الهيكل لكى تقدم السيد المسيح بعد أربعين يوماً من ميلاده، وقفت حنّة النبية بنت فنوئيل، وتكلمت عن المسيح مع جميع المنتظرين فداءً فى أورشليم.
أى أن روح الله قد أعلن لها أن هذا هو المخلص.. بمجرد دخول السيد المسيح الهيكل، تكلم روح الله على فم حنّة النبية، وبدأت تتحدث عن أنه هو خلاص إسرائيل، وخلاص العالم "وكانت نبية حنّة بنت فنوئيل من سبط أشير.. فهى فى تلك الساعة وقفت تسبح الرب وتكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً فى أورشليم" (لو2: 36-38).
إن الروح القدس كان يحرك بعض الأشخاص فى وقت ميلاد السيد المسيح، فكما بشر الملاك العذراء مريم والروح القدس حل عليها، كذلك امتلأت أليصابات من الروح القدس وقالت للسيدة العذراء "مباركة أنت فى النساء ومباركة هى ثمرة بطنك. فمن أين لى هذا أن تأتى أم ربى إلىَّ" (لو1: 42- 43).
وكذلك امتلأ زكريا من الروح القدس عند ميلاد يوحنا المعمدان، وفتح فمه وقال "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداءً لشعبه. وأقام لنا قرن خلاص فى بيت داود فتاه" (لو1: 68- 69). فالروح القدس كان يعمل فى أشخاص كثيرين وقت أحداث الميلاد، قبله وخلاله وبعده.
إن حدث ميلاد السيد المسيح، ومجيئه إلى العالم، هو بداية تحقيق وعد الله لخلاص البشرية. فقال زكريا أبو يوحنا المعمدان "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68) لأن الله قد تذكر وعده المقدس، لذلك فإن كلمة زكريا تعنى "الله تذكّر"، واسم يوحنا يعنى "الله تحنن" واسم يسوع يعنى "الله يخلص". أى أن الله قد تذكّر.. الله قد تحنن.. الله قد خلّص. فعندما قال زكريا "مبارك الرب إله إسرائيل لأنه افتقد وصنع فداء لشعبه" (لو1: 68). أكمل وقال "ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس" (لو1: 72).
إن الله لم ينس وعده، لكنه كان ينتظر الوقت المناسب. وذلك بعد أن يكون قد أعد كل شئ. وقد كُتبت نبوات كثيرة فى الكتب المقدسة تمهد لمجيء المخلّص، ورموز كثيرة. لأن تجسد كلمة الله، أو ظهور الله الكلمة فى الجسد، لم يكن شيئاً بسيطاً لكى يقدر الإنسان أن يفهمه، أو أن يستوعبه. فكان لابد أن يمهد الله برموز وأحداث كثيرة. كما أنه كما ينبغى أن ينتظر حتى يجد الإنسانة المباركة جداً التى تستحق أن تكون والدة الإله وهى القديسة العذراء مريم. ولأسباب كثيرة انتظرت البشرية عدة آلاف من السنين حتى أتم الله وعده.
يقول الكتاب "القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا" (لو1: 73).
فالقسم قد أعطاه الله لإبراهيم؛ فكان لابد أن ينتظر حتى يأتى إبراهيم، وعندما أتى إبراهيم. كان قد مر عدة آلاف من السنين. فهذا يوضح أنه كان لابد من حدوث بعض المراحل لكى عندما يتم الخلاص، يكون إتمام الخلاص هو تحقيق لوعود قالها الله، ونبوات كتبها الأنبياء القديسون، وسجلوها فى كتب العهد القديم.
إن الروح القدس كان يعمل فى شخصيات كثيرة. ومن بين هذه الشخصيات الرعاة الساهرون على حراسة رعيتهم. ولكن ليس فقط لأنهم كانوا ساهرين، ولكن يوجد أسباب أخرى.. فزكريا أبو يوحنا المعمدان عندما تكلم عن ما ذكرته الكتب المقدسة قال "كما تكلم بفم أنبيائه القديسين الذين هم منذ الدهر. خلاص من أعدائنا ومن أيدى جميع مبغضينا. ليصنع رحمة مع آبائنا ويذكر عهده المقدس. القسم الذى حلف لإبراهيم أبينا" (لو1: 70-73). أى أنه كان شخصاً يعيش ويدرس نبوات الأنبياء التى تتحدث عن مجيء المخلّص.
وأيضاً الأرملة القديسة التى عاشت فى الهيكل أربع وثمانين سنة، وذلك بعد ترملها بسبعة سنين من زواجها. فهذه الأرملة كانت خلال هذه الأربع والثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وكما يقول الكتاب "وهى أرملة نحو أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل عابدة بأصوام وطلبات ليلاً ونهاراً" (لو2: 37).
فقد ظلت أربع وثمانين سنة لا تفارق الهيكل. وذلك فى المكان المخصص للنساء، وليس فى الأماكن الخاصة بالكهنة. وقد كانت أثناء هذه السنين تدرس، وتستمع إلى الصلوات اليومية، والقراءات المقدسة، وتقرأ فى الأسفار المقدسة. أى أنها كانت متفرغة للعبادة أربع وثمانين سنة. لذلك عمل الروح القدس فى داخلها، فى نفس الوقت الذى كانت تعيش فيه كل هذه المعانى التى تتكلم عن مجيء المخلص، وميلاد السيد المسيح.
إن الحدث الذى رأته بعينها قد عاشته بقلبها. أى إنها قد رأته بعينى قلبها قبل أن تراه بعينيها الطبيعية. فتقابل الإحساس الذى عاشته فى داخلها مع المنظر الذى رأته بعينيها. وعندما يتقابل شيئان يسرى التيار. مثلما يحدث عند غلق الدائرة الكهربية يصير من الممكن أن يسرى التيار. فالروح هو الذى تكلم على لسانها بدون أن يعلمها أحد.

الرعاة كانوا ينتظرون الخلاص
إن هؤلاء الرعاة كانوا ينقادون بالروح القدس، فما الذى كان من الممكن أن يتحدثوا فيه أثناء سهرهم ليلاً؟ من المؤكد أنهم كانوا يتحدثون فى النبوات وفى الأسفار المقدسة. فمثلاً من الممكن أن يقولوا إنهم يرعون الأغنام التى تقدم منها ذبائح كثيرة فى الهيكل، وهذه الذبائح ترمز إلى الخلاص الذى وعد به الله. لكن متى سيأتى المخلص؟!
يقول الكتاب إن حنّة بنت فنوئيل تكلمت عنه مع جميع المنتظرين فداءً فى أورشليم. إن الله يعلن لمن ينتظره، ولكن الذى لا يهمه لماذا يعلن له؟!! فهؤلاء الرعاة كانوا ينتظرون مجيء المخلّص لذلك يقول الكتاب "وكان فى تلك الكورة رعاة متبدين يحرسون حراسات الليل على رعيتهم" (لو2: 8). وبالأخص أنهم كانوا فى بيت لحم اليهودية مدينة داود، ومن المعروف أن المسيح هو من نسل داود حسب الجسد، لذلك فهؤلاء الناس كانت المزامير هى تسليتهم.
إن التسبحة التى نقولها فى كل ليلة فى الكنيسة مليئة فى أجزاء كثيرة بالمزامير والتسابيح والنبوات التى تتحدث عن الخلاص، وعن عمل الله فى حياة البشر. والتسبحة نفسها غير المزامير بها أجزاء من الأسفار المقدسة. فمثلاً الهوس الأول تسبحة موسى النبى وأخته مريم النبية مع شعب إسرائيل عند عبور البحر الأحمر. وقد كانت رمزاً للخلاص، ورمزاً للمعمودية.
إن الرعاة بكل تأكيد كانوا يسبحون، لذلك عندما كانت هناك تسبحة على الأرض، كان هناك تسبيحاً فى السماء فيقول الكتاب "وظهر بغتة مع الملاك جمهور من الجند السماوى مسبحين الله وقائلين: المجد لله فى الأعالى وعلى الأرض السلام وبالناس المسرة" (لو2: 13-14).
إن كلمة "بالناس المسرة" معناها باللغة اليونانية "المسرة فى قلوب الناس الصالحين". فالملائكة فرحوا بما حدث فى قلب الرعاة عندما سمعوا بشرى الخلاص. والمسيح هو رئيس السلام، وهو صانع السلام. لأنه هو الذى سيصالح الله مع البشر، ويصالح الإنسان مع أخيه الإنسان، ويصالح الإنسان مع نفسه. وكذلك هو الذى قال "طوبى لصانعى السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (مت5: 9).
إن الرعاة كانوا يسبحون ويتأملون ويصلون، لذلك ظهر لهم الملائكة. فمن يريد أن يحيا مع الملائكة حياة الصداقة والعشرة الحقيقية، يجب أن تمتلئ حياته بالصلاة، والتسبيح، والتأمل فى الأسفار المقدسة.
يقول سفر أشعياء "ظلم أما هو فتذلل ولم يفتح فاه كشاة تساق إلى الذبح وكنعجة صامتة أمام جازيها فلم يفتح فاه" (أش53: 7). ولذلك نقول فى القداس الغريغورى }أتيت إلى الذبح مثل حمل حتى إلى الصليب{ ويقول الكتاب أيضاً "أما الرب فسُرَّ بأن يسحقه بالحزن ان جعل نفسه ذبيحة إثم يرى نسلاً تطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح" (أش53: 10). وأيضاً "حمل خطية كثيرين وشفع فى المذنبين" (أش53: 12).. "وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا تأديب سلامنا عليه وبحبره شفينا" (أش53: 5). فالرعاة كانوا قد قرأوا هذا الكلام ويرددونه. وكانوا يسألون الرب متى سيرسل الحمل الحقيقى الذى يحمل خطايا العالم كله؟

أهمية السهر الروحى
إن هذه القلوب الساهرة المنتظرة المترقبة عمل الله؛ هى التى سيرسل الله إليها ملائكته. فالله لم يرسل ملائكته إلى الأشخاص المترفهين أو المتنعمين. بل أرسل إلى أناس يجلسون فى العراء، وهم ساهرين على رعاية أغنامهم. وهذه هى أهمية السهر فى الحياة الروحية، وأهمية السهر فى الصلاة، وأهمية السهر فى الكنيسة والتسبيح.
إن هؤلاء كانوا رعاة للأغنام. والله كان يريد أن يرى رعاة للشعب. ويرى رعاية حقيقية. فيقول بفم نبيه حزقيال "يا ابن آدم تنبأ على رعاة إسرائيل، تنبأ وقل لهم هكذا قال السيد الرب للرعاة: ويل لرعاة إسرائيل الذين كانوا يرعون أنفسهم. ألا يرعى الرعاة الغنم؟! تأكلون الشحم وتلبسون الصوف وتذبحون السمين ولا ترعون الغنم. المريض لم تقووه والمجروح لم تعصبوه والمكسور لم تجبروه والمطرود لم تستردوه والضال لم تطلبوه بل بشدة وبعنف تسلطتم عليهم. فتشتتت بلا راعٍ وصارت مأكلاً لجميع وحوش الحقل وتشتتت. ضلّت غنمى فى كل الجبال وعلى كل تلٍ عالٍ وعلى كل وجه الأرض تشتتت غنمى ولم يكن من يسأل أو يفتش" (حز34: 2-6).
فالله كان حزيناً أن رعاة بنى إسرائيل كانوا قد أهملوا الغنم، وأهملوا الرعاية، وبحثوا عن ملذاتهم الشخصية، وظلموا الخراف. لذلك قال بطرس الرسول للرعاة "ولا كمن يسود على الأنصبة بل صائرين أمثلة للرعية" (1بط5: 3).

أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب
يقول الرب للرعاة "هكذا قال السيد الرب هأنذا على الرعاة وأطلب غنمى من يدهم وأكفهم عن رعى الغنم ولا يرعى الرعاة أنفسهم بعد فأخلص غنمى من أفواههم فلا تكون لهم مأكلاً. لأنه هكذا قال السيد الرب هأنذا أسأل عن غنمى وأفتقدها. كما يفتقد الراعى قطيعه يوم يكون فى وسط غنمه المشتتة هكذا أفتقد غنمى وأخلصها من جميع الأماكن التى تشتتت إليها فى يوم الغيم والضباب.. أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب" (حز34: 10-15).
إذن الرب هو الراعى الحقيقى وقال السيد المسيح "أنا هو الراعى الصالح والراعى الصالح يبذل نفسه عن الخراف" (يو10: 11). فقد جاء السيد المسيح لكى يشفى الجراح، ويقيم البشرية من سقطتها. ويعيد آدم إلى الفردوس مرة أخرى. ولكن ذلك لمن يقبل محبته، ويقبل خلاصه. كما هو مكتوب "وأما كل الذين قبلوه فأعطاهم سلطاناً أن يصيروا أولاد الله أى المؤمنون باسمه" (يو1: 12).
وهنا يظهر العلاقة الوثيقة بين ليلة ميلاد السيد المسيح، وبين إعلان الرب عن نفسه أنا هو الراعى. وذلك سواء فى العهد القديم عندما قال "أنا أرعى غنمى وأربضها يقول السيد الرب" (حز34: 15)، أو كلام السيد المسيح عندما بدأ خدمته الخلاصية وعندما بدأ يتكلم عن نفسه باعتباره أنه هو الراعى الصالح وقال "وأنا أضع نفسى عن الخراف" (يو10: 15).

الأدلة أن الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس
ومن الأدلة أن هؤلاء الرعاة كانوا مرشدين من الروح القدس؛ إنهم استجابوا لإعلان الملاك عندما قال "لا تخافوا فها أنا أبشركم بفرح عظيم يكون لجميع الشعب، أنه ولد لكم اليوم فى مدينة داود مخلص هو المسيح الرب" (لو2: 10-11). أى أن الذى تنتظرونه قد حدث فاذهبوا وانظروا بأنفسكم "وهذه لكم العلامة تجدون طفلاً مقمطاً مضجعاً فى مذود" (لو2: 12).
فهل من الممكن أن يوضع طفل فى مذود للغنم؟!! إن المذود هو المكان الذى يوضع فيه أكل الأغنام. فلماذا يوضع الطفل فى المذود؟!! لقد وضع فى المذود لأنه لم تجد العذراء مريم مكان فى البيت. فعندما ذهبت مع يوسف إلى بيت لحم لكى تكتتب يقول الكتاب "وبينما هما هناك تمت أيامها لتلد. فولدت ابنها البكر وقمطته وأضجعته فى المذود إذ لم يكن لهما موضع فى المنزل" (لو2: 6-7).
إن الله لم يجد له مكاناً فى قلوب البشر، فولد فى وسط الأغنام لكى يقول للبشر أنتم الذين رفضتمونى فى حياتكم من الممكن أن الحيوانات تكون أكثر قبولاً لى إذا جلست فى وسطهم. لكن أنا قد جئت لتحويل حياتكم من حيوانات إلى بشر لأن الإنسان قد خلق على صورة الله، فأنا أريد أن أحول هذه الحظيرة إلى كنيسة فى العهد الجديد.
وبالفعل فإن كنيسة بيت لحم قد بُنيت فى مكان المذود الذى ولد فيه السيد المسيح وأصبحت كنيسة عظيمة ضخمة فى بيت لحم اسمها كنيسة المهد. فلم تعد حظيرة للخراف غير الناطقة لكن أصبحت حظيرة للخراف الناطقة أى البشر من شعب الله.
"ولما مضت عنهم الملائكة إلى السماء قال الرجال الرعاة بعضهم لبعض لنذهب الآن إلى بيت لحم وننظر هذا الأمر الواقع الذى أعلمنا به الرب. فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً فى المذود" (لو2: 15-16).
فكيف عرف الرعاة فى أى حظيرة وُلد السيد المسيح؟!! إن بيت لحم كلها هى مدينة الأغنام، فقد كان كل عمل داود هو رعاية الغنم فكيف عرفوا أين هى الحظيرة إن كان لم يظهر لهم نجم، أو ذهب معهم ملاك؟!!
إن المجوس قد احتاجوا للنجم لكى يرشدهم إلى مكان وجود الطفل يسوع، وكان ذلك بعد فترة من ميلاد السيد المسيح، بدليل أن هيرودس عندما حسب المدة وتحقق زمان النجم الذى ظهر حسب المدة من ساعة ظهور النجم حتى ذهاب المجوس فوجد هذه المدة حوالى سنتين فأرسل وذبح كل الأطفال من سن سنتين فما دون. فالمجوس لم يأتوا فى ليلة ميلاد السيد المسيح. ولكن فى بعض صور الميلاد يضعوا المجوس بها. لكن هذا ليس أكثر من تجميع لأحداث الميلاد فى صورة واحدة، وفى بعض الأحيان يقوم البعض بعمل مذود به تماثيل فى ليلة عيد الميلاد وذلك من أجل فرحة الأطفال الصغار، ولكن يجب أن يوضع هذا المذود خارج الكنيسة لأن الكنيسة القبطية لا يجب أن يدخلها أى تماثيل بل أيقونات فقط بما فى ذلك مغارة الميلاد التى تُعمل من أجل الأطفال.
ولكن الرعاة ذهبوا فى نفس ليلة ميلاده، فكيف عرفوا مكان الحظيرة؟!! لقد عرفوا لأن الروح القدس كان يرشدهم "فجاءوا مسرعين ووجدوا مريم ويوسف والطفل مضجعاً فى المذود. فلما رأوه أخبروا بالكلام الذى قيل لهم عن هذا الصبى" (لو2: 16-17).

ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة
وكما أعلن الله عن ميلاد ابنه الوحيد للرعاة الذين يمثلون الشخصيات التى كان من الممكن أن يتعامل معها الله نظراً لأمانتهم فى وسط شعب إسرائيل المنتظر الخلاص. أيضاً بدأ الله يتعامل مع الأمم، إذ قال السيد المسيح "ولى خراف أخر ليست من هذه الحظيرة ينبغى أن آتى بتلك أيضاً فتسمع صوتى وتكون رعية واحدة وراعٍ واحد" (يو10: 16).
فهنا يتكلم عن نفسه أنه هو الراعى الصالح. والمقصود هنا بالخراف الأُخر الأمم وليس اليهود، ولا نسل يعقوب أبو الأسباط الاثنى عشر، ولا نسل اسحق، ولا نسل إبراهيم، لكن الأمم. وكما قال سمعان الشيخ "نور إعلان للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو2: 32).
فليس الخلاص الذى أتى الله لكى يعلنه مسألة تخص شعب إسرائيل فقط. وإن كان قد قال "لأن الخلاص هو من اليهود" (يو4: 22) لكن المقصود فى هذه العبارة الأخيرة أن الله كان قد وعد إبراهيم أن بنسله تتبارك جميع قبائل الأرض. فالسيد المسيح من نسل إبراهيم. لكن البركة لجميع قبائل الأرض. وفى سفر أشعياء "أنا الرب قد دعوتك بالبر فأمسك بيدك وأحفظك وأجعلك عهداً للشعب ونوراً للأمم. لتفتح عيون العمى لتخرج من الحبس المأسورين من بيت السجن الجالسين فى الظلمة" (أش42: 6-7).

نوراً تجلى للأمم
إن السيد المسيح فى نظر الآب هو الابن الوحيد الذى سُرّت به نفسه وكما يقول الكتاب "هوذا فتاى الذى اخترته حبيبى الذى سُرّت به نفسى. أضع روحى عليه فيخبر الأمم بالحق" (مت12: 18). وأيضاً فى سفر الأعمال قال "ولتُجرَ آيات وعجائب باسم فتاك القدوس يسوع" (أع4: 30).
فكلمة "نوراً للأمم" تعنى أن الخلاص ليس لشعب إسرائيل فقط، وإن كان الله قد ذكر هذا الكلام فى العهد القديم. وكان اليهود يعتبرون أنفسهم أنهم شعب الله الخاص. والله نفسه كان يتحدث إليهم باعتبارهم شعبه الخاص. ويقول الكتاب "والآن هكذا يقول الرب خالقك يا يعقوب وجابلك يا إسرائيل لا تخف لأنى فديتك، دعوتك باسمك، أنت لى. إذا اجتزت فى المياه فأنا معك، وفى الأنهار فلا تغمرك. إذا مشيت فى النار فلا تلذع واللهيب لا يحرقك. لأنى أنا الرب إلهك قدوس إسرائيل مخلصك" (أش43: 1-3).
فكان الكلام موجهاً لإسرائيل. لكن فى خلال كلامه فى الإصحاح السابق بنفس السفر يقول "نوراً للأمم". وكذلك عند حمل سمعان الشيخ السيد المسيح قال "نوراً تجلى للأمم ومجداً لشعبك إسرائيل" (لو2: 32). فمن الواضح أن الله له قصد فى أن يدعو الأمم إلى ميراث الحياة الأبدية، وإلى أن يكونوا رعية مع شعب إسرائيل الذى يقبل ويؤمن بمسيحه. فتكون رعية واحدة لراعٍ واحد.

تعامل الله مع الأمم
لقد بدأ الله يتعامل مع الأمم فى وقت ميلاد السيد المسيح بطريقة لطيفة جداً. فقد كان يوجد أشخاص حكماء فى بلاد المشرق أى ناحية فارس، ويسمون المجوس. وهم حكماء المملكة. وكان عملهم رؤية الأفلاك، وحساب الأزمنة.. وكان بعضهم يعمل فى التنجيم. فعندما أُخذ شعب إسرائيل إلى السبى من مملكة بابل، وأصبحوا تحت حكم مملكة فارس، كان دانيال النبى موجوداً فى البلاد فى ذلك الوقت. وقد اختاره الملك لأنه وجد فيه "روح الآلهة القدوسين" على حسب قوله، والمقصود روح الله. وعيَّنه كبيراً للمجوس أى كبيراً للحكماء. وفى هذه الأيام كتب دانيال النبى السفر وبه نبوات كثيرة عن السيد المسيح. مثل النبوة التى قال فيها "سبعون أسبوعاً قضيت على شعبك وعلى مدينتك المقدسة لتكميل المعصية وتتميم الخطايا ولكفارة الإثم وليؤتى بالبر الأبدى ولختم الرؤيا والنبوة ولمسح قدوس القدوسين" (دا9: 24).

المجوس يترقبون مجيء المخلص
إن النبوات التى فى سفر دانيال كانت تتكلم عن ميعاد ميلاد السيد المسيح. فيقول سبعون أسبوعاً أى 490 سنة ونطرح منها أسبوع فيكون 483 سنة والسيد المسيح كان يجب أن يبدأ خدمته الكهنوتية وعمره 30 سنه وذلك حسب الشريعة، وبهذه الطريقة يمكن حساب ميعاد ميلاد السيد المسيح. والمجوس حسب النبوات كانوا يترقبون ظهور علامة لهم. لذلك ظهر لهم ملاك فى صورة نجم. أى كائن سماوى كان يتحرك وغير ثابت. فإن كان هذا نجماً عادياً فى السماء، سيكون بعيداً جداً وكان غير ممكن أن يحدد المكان بالتحديد.
ولكن هذا النجم جاء ونزل فوق حيث كان الصبى. لقد كان هذا ملاكاً وليس نجماً عادياً. ولكن لأنهم يرصدون حركة النجوم، فقد رأوا هذا النجم أنه نجم غريب. ورأوا علامات مميزة ففهموا أنه نجم لملك عظيم، أو أنه ملك كبير فى الأرض. وبالنسبة للنبوة التى كانت عندهم فى سفر دانيال. فإن دانيال النبى كان كبيراً للمجوس. أى أن المجوس كانوا تلاميذاً له ومع تسلسل الأجيال. وعندما رأوا المنظر بدأوا يفهمون.
إن الروح القدس كان لا يعمل فى المجوس بنفس الصورة التى كان يعمل بها مع الرعاة ولكن ليس معنى هذا أنه لا يعمل نهائياً. ولكنه كان يتدرج معهم وذلك من خلال الأمور التى كانوا يستطيعون فهمها. فبالنسبة لهم كان سفر دانيال مثل أسفار الحكمة، أى أحكم الحكماء. فعندما نتذكر قصة نبوخذ نصر الملك عندما أخبره دانيال النبى بالحلم، وفسّر له الحلم وعيّنه كبيراً للمجوس فكل هذه الأمور تجعلهم يثقون فى نبوات دانيال النبى.
إن الله كان يتعامل مع المجوس على حسب تفكيرهم. لذلك ظهر لهم الملاك على هيئة نجم وعندما قادهم إلى بلاد اليهودية، ذهبوا إلى العاصمة أورشليم وإذا النجم قد اختفى. وهنا بدأوا يسألون الناس، وذهبوا إلى هيرودس الملك يسألون أين هو المولود ملك اليهود فإننا رأينا نجمه فى المشرق وأتينا لنسجد له.
وبدأ هيرودس الملك يضطرب وأرسل لإحضار رؤساء الكهنة ليسألهم أين يولد المسيح "فقالوا له فى بيت لحم اليهودية لأنه هكذا مكتوب بالنبى وأنت يا بيت لحم أرض يهوذا لست الصغرى بين رؤساء يهوذا لأن منك يخرج مدبر يرعى شعبى إسرائيل" (مت2: 5-6).
واضطرب هيرودس وقرر أن يقتل هذا الطفل المولود الذى سوف يأخذ الملك منه وذلك حسب نظرته للعالم. ولكن السيد المسيح قال "مملكتى ليست من هذا العالم" (يو18: 36). فعندما خرج المجوس من عند الملك ظهر لهم النجم مرة أخرى. وهنا بدأ الإعلان السماوى يرجع إلى قيادتهم مرة أخرى.
وعندما وصلوا إلى البيت نزل النجم الذى كان يقودهم ثم اقترب من البيت. فعرفوا أن المولود هو ملك اليهود أو ملك ملوك الأرض أو ملك الملوك ورب الأرباب فى السموات وما على الأرض حسب تفسير حلم الملك نبوخذ نصر الذى فسّره له دانيال النبى وكتبه فى السفر المعروف باسمه.

الروح القدس يرشد المجوس إلى أنواع الهدايا
 عندما بدأ المجوس يستعدون لرحلتهم اختاروا بعض الهدايا لكى يقدموها للملك المولود فاختاروا ثلاث هدايا وهى: ذهب ولبان ومر. فالمر له مذاق مر، ولكن رائحته عطرية. واعتبروا أن هذه أنواع من الهدايا التى أحياناً تقدم لبعض الناس فى بعض المناسبات. ولكن بالنسبة للسيد المسيح كان لها مدلول عقائدى، ومدلول لاهوتى، ومدلول روحى، ومدلول نبوى.
فمن الواضح أن الروح القدس هو الذى أرشد المجوس إلى اختيار هذه الهدايا. ونلاحظ فى صورة الميلاد أنها تكون بها ثلاثة من المجوس فقط. لكن من الممكن أن يكونوا أكثر من ثلاثة أشخاص لأن الكتاب لم يذكر أنهم ثلاثة مجوس. ولكن الهدايا فقط هى التى ثلاثة. فهم مجموعة من الحكماء أتت من بلاد فارس من رحلة طويلة. ولكن الذين قدموا الهدايا هم ثلاثة أشخاص.

لماذا ثلاث هدايا؟
إن اختيار عدد الهدايا ثلاثة هى إشارة إلى أن هذا المولود واحد من الأقانيم الثلاثة التى لإله واحد فى الجوهر مثلث الأقانيم. فعدد الهدايا رمز وإشارة إلى السيد المسيح، ونوع الهدايا ذهب يرمز إلى أن السيد المسيح هو ملك، واللبان يرمز إلى إن السيد المسيح هو كاهن، والمر يرمز إلى أن السيد المسيح سوف يتألم من أجل خلاص العالم.
فهو ملك وكاهن ونبى ولكن ليس نبى مثل باقى الأنبياء الذين سبقوه. ولكن هو رب الأنبياء. فهو ظهر فى الهيئة كإنسان، ولكن فى نفس الوقت هو ملك الملوك ورب الأرباب فإذا تكلمنا عنه كملك فهو ليس ملكاً عادياً. ولكنه ملك الملوك ورب الأرباب. وإذا قيل عنه نشيد فلا يقال نشيد عادى، بل يقال نشيد الأناشيد. وإذا كان هو كاهن فهو رئيس الكهنة الأعظم. الذى كهنوته كهنوت أبدى لا يزول. وإذا كنا نتكلم عنه كنبى فهو ليس مجرد نبى عادى. فمثلاً تنبأ عن موته, وعن خراب أورشليم، وعن قيامته فى اليوم الثالث. وقد تحققت كل هذه النبوات فى حينها. وتنبأ أيضاً عن نهاية العالم. وسيتم ذلك لأن السيد المسيح هو الذى تنبأ بها.
وأهم نبوة قيلت "ها نحن صاعدون إلى أورشليم وابن الإنسان يسلم إلى رؤساء الكهنة والكتبة فيحكمون عليه بالموت ويسلمونه إلى الأمم. فيهزأون به ويجلدونه ويتفلون عليه ويقتلونه وفى اليوم الثالث يقوم" (مر10: 33-34).
وكانت هذه هى أهم نبوة قالها السيد المسيح. وهذه النبوة كانت عن آلامه لذلك ارتبط المر بمعنى النبوة عند السيد المسيح أى أن المر إشارة إلى أنه نبى. أو أنه قد تنبأ عن موته وعن آلامه الخلاصية. فاللبان يرمز إلى الكهنوت لأن الكاهن يقدم ذبيحة البخور. وحتى عند الوثنيين فهم يبخرون للأوثان.
لذلك فإن مسألة التبخير وارتباطها بالكهنوت، مسألة معروفة من العهد القديم عند شعوب كثيرة. ولكن عندنا نحن لها مدلول روحى خاص. بل إن السيد المسيح نفسه كان رائحة بخور عطرة ونقول عنه أيضاً }هذا الذى أصعد ذاته ذبيحة مقبولة عن خلاص جنسنا فاشتمه أبوه الصالح وقت المساء على الجلجثة{ (لحن "فى إيتاف إنف vaietafenf" الذى يقال يوم الجمعة العظيمة ويقال بلحن آخر فى تسبحة يوم الأحد).
فالسيد المسيح أصعد ذاته رائحة رضا وسرور لله الآب فى طاعة كاملة. وفى سيرته العطرة كرئيس كهنة قدم الذبيحة المقبولة التى قبلها الآب السماوى، وبها كفَّر عن كل خطايا البشرية لكل الذين يؤمنون باسمه ويؤمنون بخلاصه ويقبلون أن يتشبهوا بموته وقيامته عندما يدفنون فى المعمودية مع المسيح ويقومون فيها أيضاً معه.
إن السيد المسيح عندما يتكلم من حيث إنه قد تنبأ فلابد أن نتذكر أنه ليس مجرد نبى، ولكنه الله الكلمة المتجسد، وهو ابن الله الوحيد. لكن من الطبيعى إذ ظهر فى الهيئة كإنسان أن يقول بعض الأمور التى تنبأ بها. وحينما تحدث نتأكد أنه كان يتكلم كلام الله. وليس مجرد كلاماً عادياً مثل أى إنسان عادى. فقد كانت نبوته عن موته على الصليب وقيامته من بين الأموات شيئاً هاماً جداً بالنسبة للكنيسة لهذا فحينما ظهر السيد المسيح بعد القيامة قال لتلاميذه "أما كان ينبغى أن المسيح يتألم بهذا ويدخل إلى مجده" (لو24: 26).

كيف تعامل الروح القدس مع المجوس؟
إن الروح القدس قد تدرج مع المجوس. ففى البداية أرشدهم إلى اختيار أنواع الهدايا التى يقدمونها ثم ظهر لهم نجم لكى يرشدهم إلى الطريق. ولكن بعد أن سجدوا للسيد المسيح الإله الكلمة ومخلّص العالم. بدأت علاقة الله معهم تكون أقوى من الأول، وبدأ الله يتعامل معهم بإعلانات سماوية واضحة فيقول الكتاب "ثم إذ أوحى إليهم فى حلم أن لا يرجعوا إلى هيرودس انصرفوا فى طريق أخرى إلى كورتهم" (مت2: 12).
وذلك لأن هيرودس كان يريد قتل الطفل، ولكن الله أوحى إليهم أن ينصرفوا فى طريق آخر. وبذلك نرى الروح القدس قد بدأ يعمل فى حياتهم بصورة أقوى عن طريق الوحى. وهذا معناه أن الله يدعو الأمم إلى معرفته عن طريق مجيء السيد المسيح إلى العالم. ولإلهنا المجد الدائم إلى الأبد آمين.

الجمعة، 27 أبريل 2012

كيف أصير شخصية قوية؟

كيف أصير شخصية قوية؟

القس ميخائيل عطية

ليست القوة هى قوة شمشونية فى الجسد والعضلات، وليست هى قوة العنف والسيطرة وإخضاعها الآخرين، وليست هى قوة المنصب والسلطان والجاه.ولكنها هى قوة الروح فى الداخل تعبر عن ذاتها فى الخارج بأسلوب روحى.
ومن ثم فمن أهم سمات الشخصية القوية:
1- القدرة على ضبط النفس "مالك نفسه خيرً ممن يملك مدينة" (أم 32: 16).
أى له القدرة على ضبط الفكر أمام الشهوات، ضبط الحواس (العين - الأذن) ضبط اللسان، ضبط الإنفعالات وعدم الغضب، ضبط العاطفة، ضبط الغريزة.
2- القدرة على إعلان الحق بشجاعة ففى الوقت الذى قال فيه الرب يسوع: "تعلموا منى لأنى وديع ومتواضع القلب" (مت 29: 11) أمسك السوط، وطرد
باعة الحمام من الهيكل، وأعلن الحق بوضوح "بيتى بيت الصلاة يدعى وأنتم جعلتموه مغارة للصوص" (مت 13: 21).
ولنا فى مواقف يوحنا المعمدان وإيليا النبى وغيرهم فى التصدى للظلم، وإعلان الحق بشجاعة أمثلة حية نتمثل بها.
3- القدرة على إتضاع الفكر
عدم العناد وتصلب الرأى، قبول الحوار مع الآخر، الإعتراف بالخطأ، الإستعداد للطاعة والتنازل عن الرأى الشخصى، تقديم الآخرين فى الكرامة.
4- القدرة على المثابرة وتجاوز الفشل
"انسى ما هو وراء وأمتد إلى ما هو قدام" (فى 13: 3).
  أمثلة: هيللين كيلر - بيتهوفن - اسحق نيوتن..
5- القدرة على الإحتمال والحب
مثلما أحتمل الرب يسوع صالبيه "إغفر لهم يا أبتاه لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون" (لو 34: 23)، ومثل الشهيد استفانوس "يارب لا تقم لهم هذه
الخطية" (أع 60: 7).
ختاماً..
إن مصدر القوة الحقيقية هو الله نفسه "قوتى وتسبحتى هو الرب، وقد صار لى خلاصاً" (مز 14: 118).

الجمعة، 20 أبريل 2012

نور السيد المسيح

V جينيسيوس المهرج الشهيد
جينيسيوس المهرج الشهيد

St. Genesius
في مجيء الإمبراطور دقلديانوس إلى روما اُستقبل بمظاهر الحفاوة والترحاب. ومن ضمن برنامج الترفيه الذي أُعِد له، رتب أحد المهرجين واسمه جينيسيوس أن يُقلِّد طقوس المسيحيين في المعمودية، عالمًا أنها لابد أن تُعجب الجمهور الذي كان ينظر إلى المسيحية بطقوسها وأسرارها نظرة ازدراء وتهكُم.
استلقى جينيسيوس على المسرح ممثلاً المرض، ثم نادى قائلاً: "يا أصدقائي أشعر بحمل ثقيل جاثمًا فوقى وأريد أن أتخفف منه".
أجابه الممثلون الآخرون: "ماذا نفعل لكي نخفف عنك؟"
قال جينيسيوس "أريد أن أموت مسيحيًا حتى يقبلني الَّله في هذا اليوم كأحد المؤمنين به".
أتوه بكاهن ممثل، وسأل جينيسيوس عن سبب طلبه له. وهنا أضاءت نعمة الَّله بصيرة جينيسيوس فرد قائلاً بحق وليس تمثيلاً: "لأني أريد أن أتقبل نعمة السيد المسيح بالميلاد الجديد حتى أُغسل من جميع خطاياي". ثم أكمل بقية الممثلين طقس المعمودية حسب المعتاد، بينما كان جينيسيوس يجاوب على كل أسئلتهم حقيقة وليس تمثيلاً.
أخيرًا، استكمالاً للتمثيلية، أتى ممثلون آخرون يلبسون ملابس الجنود وأخذوا جينيسيوس ليوقفوه أمام الإمبراطور ليحاكمه كمسيحي. وهنا وقف جينيسيوس على المسرح وتكلم بالصدق قائلاً:
"استمعوا يا جميع الحاضرين الآن إليّ، فإني دائمًا كنت احتقر المسيحية والمسيحيين، وحين تعلمت طقوسها وأسرارها كان هدفي هو زيادة تمتعكم بإتقاني للتمثيل.
لكن حين كنت أستعد لتمثيل المعمودية أمامكم الآن، رأيت فوق رأسي مجموعة من الملائكة يقرأون من كتاب كل خطاياي منذ طفولتي حتى الآن، ثم غمسوا هذا الكتاب في ماء المعمودية التي أُعِدت لأتعمد فيها أمامكم، وإذا به يصير أبيض من الثلج.
لذلك فإني أدعوك أيها الإمبراطور مع جميع الحاضرين أن تؤمنوا بالسيد المسيح الإله الحقيقي، فهو النور والحقيقة، وبه ننال مغفرة خطايانا".
دُهِش دقلديانوس من هذا الكلام وأمر بضرب جينيسيوس وتعذيبه حتى يبخر للأوثان. فعذبوه بتقطيع جنبيه وبحرقه بالنار، فكان يزداد صراخًا:
"ليس إله إلا يسوع المسيح، لن أعبد سواه حتى ولو اضطررت أن أموت آلاف المرات.
لن يَنزع التعذيب اسمه من فمي أو قلبي.
إني آسف على كل إهانة وجهتها إلى اسمه المبارك، وعلى كل وقتٍ ضاع مني دون أن اخدمه فيه".
وأخيرًا قتلوه بقطع رأسه.
Butler, August 25.

الخميس، 19 أبريل 2012

اسكندر النحاس أظهر لى شروراً كثيرة ليجازه الرب حسب أعماله 2تى 4: 14


قال أحدهم إن الفارق بين بولس والمسيح، هو الفارق بين الأسد المزمجر والحمل الوديع، كلاهما لُطم على الخد، وكلاهما حدث له هذا اللطم أمام رئيس الكهنة، فتقبل المسيح اللطم بالوداعة المذهلة وهو يقول للخادم: « إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردى وإن حسناً فلماذا تضربنى » (يو 18: 23).. وقال بولس فى زمجرة الأسد لرئيس الكهنة الآمر بضربه: « سيضربك اللّه أيها الحائط المبيض. أفأنت جالس تحكم على حسب الناموس، وأنت تأمر بضربى مخالفاً للناموس» (أع 23: 3). ولم يلبث أن اعتذر عندما علم أنه رئيس الكهنة وهو يقول: « لم أكن أعرف أيها الأخوة أنه رئيس كهنة لأنه مكتوب رئيس شعبك لا تقل فيه سوءاً » (أع 23: 5).. وقد كان بولس دائماً قريباً من روح المسيح ومثاله وقلبه، وهو القائل: « كونوا متمثلين بى كما أنا أيضاً بالمسيح » (1 كو 11: 1)، فإذا كان السيد قد قال فوق الصليب عن قاتليه: « اغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون » (لو 23: 34) فإن بولس قال أيضاً لسجان فيلبى الذى كان مزمعاً أن يقتل نفسه: « لا تفعل بنفسك شيئاً ردياً لأن جميعنا ههنا » (أع 16: 28).. لكن السؤال مع ذلك يبقى: وما العمل مع الإنسان الذى لم تفلح معه كل طرق المحبة والتسامح، بل زادته شراً على شر؟ إن الجواب واحد على الدوام بالنسبة للمسيح، ولبولس، ولنا فى كل العصور والأجيال، وهو أن نسلم الأمر كله بين يدى اللّه أو كما قال الرسول بطرس عن السيد « بل كان يسلم لمن يقضى بعدل »، (1 بط 2: 23) وكما قال بولس ههنا: « ليجازه الرب حسب أعماله » (2 تى 4: 14). مع الحكمة والحذر فى التعامل مع الأشرار،... إن قصة اسكندر النحاس جديرة بأن تكون موضوع الدرس والتأمل، ولعلنا نتابعها فيما يلى:
اسكندر النحاس وشروره
لعلنا نستطيع أن نفهم هذه الشرور متى حددنا من هو اسكندر النحاس هذا، وقد اختلفت الآراء حوله، فهناك من يعتقد أنه ذلك اليهودى الذى كان يتصدر اليهود المضادين لبولس فى أفسس: «وكان البعض يصرخون بشئ والبعض بشئ آخر لأن المحفل كان مضطرباً وأكثرهم لا يدرون لأى شئ كانوا قد اجتمعوا. فاجتذبوا اسكندر من الجمع. وكان اليهود يدفعونه. فأشار إسكندر بيده يريد أن يحتج للشعب. فلما عرفوا أنه يهودى صار صوت واحد من الجميع صارخين نحو مدة ساعتين عظيمة هى أرطميس الأفسسيين » (أع 19: 32 - 34)... وهناك من يرجح أنه يهودى آمن بالمسيحية ثم ارتد عن الإيمان وهو الذى تحدث عنه بولس فى الرسالة الأولى إلى تيموثاوس عندما قال: « ولك إيمان وضمير صالح الذى إذ رفضه قوم انكسرت بهم السفينة من جهة الإيمان أيضاً الذين منهم هيمينايس والإسكندر اللذان أسلمتهما للشيطان لكى يؤدبا حتى لا يجدفا » (1 تى 1: 19، 20).. على أن هناك من يأخذ برأى ثالث فيقول إن اسكندر النحاس، وقد أضيفت إليه صناعته ولقبه، كان شخصاً آخر، وقد لقب بلقبه تمييزاً له عن الشخصين المشار إليهما،... على أنه مهما يكن الاختلاف، فإن الصورة التى وضعها الرسول، تكشف عن أهم ثلاثة أسباب يكمن دائماً خلفها الشر الكبير، ومرات كثيرة ما يكون هذا الشر بلا أمل، أو علاج... فإذا كان اسكندر يهودياً حسب الصورة الأولى، وقد دفعه القوم ليكون مقداماً لهم فى الهجوم على بولس، ومع ذلك فلكونه يهودياً، لم يستطع أن يتكلم من الصراخ الذى استمر لمدة ساعتين دون توقف، وبكيفية لا يسمع معها أى شئ على الإطلاق،.. وكل ذلك بسبب التعصب، وقد تحدثنا فى أكثر من مناسبة عن التعصب الأعمى الذى لا يريد أن يرى أو يسمع أو يصغى على الإطلاق، وقد وصفه يوحنا بنيان أروع وصف، فالنفس البشرية كالقلعة المسورة التى يريد عمانوئيل اقتحامها، وللقلعة خمسة أبواب هى الحواس الخمس باب الأذن، وباب العين وباب الفم، وباب اللمس، وباب الشم، وقد حصنها إبليس، وعند باب الأذن أوقف ستين جباراً من الصم يصدون الأذن عن كل نداء،... وقد يكون التعصب عن طريق العين، فالأبيض لا يريد أن يرى الزنجى، والغنى لا يريد أن يرى الفقير، والعالم لا يريد أن يرى الجاهل،... وقد قص دكتور ماكراكن قصة عن سيدة اسكتلندية اسمها مسز ماكدوف كانت تكره كل عمل يأتيه راعى كنيستها فإذا أطال العظة، قالت: عظة مملة، وإذا اختصر قالت مخلة، إذا لم يزر قالت إنه منطو، وإذا زار قالت إنه يعمل على جذب النفس إليه لا إلى المسيح، كان كل عمل يعمله يواجه منها بعدم رضا، وقرر الراعى أن يزور جميع أعضاء كنيسته الصغيرة، وفعلا قام بالزيارة حتى وصل بالقرب من منزل مسز ماكدوف، وأبصر ستارة النافذة تتحرك فعلم أنها كانت تراقبه، ولما وصل إلى بيتها تردد هل يطرق بابها، ولكنه أخيراً فعل، طرق مرة ومرتين وثلاث مرات دون إجابة،... وأخيرا ركع أمام الباب ووضع عينه فى ثقب المفتاح فأبصر مسز ماكدوف تفعل نظيره من الناحية الأخرى، فهتف يامسز ماكدوف هذه هى المرة الأولى التى نظر الواحد منا فى عين الآخر... وفى كل مكان فى الأرض نجد أثار التعصب، ألم يكن سسل رودس يعتقد أن أعظم شعب فى العالم هو الشعب البريطانى؟ ألم يطلق اليابانيون على أنفسهم أبناء االشمس وأبناء السماء؟، ألم يوجد الأمريكى الذى اعتقد أن اللّه لم يخلق مخلوقاً أفضل من الأمريكى، وقد بدأ اللّه فخلق الغوريلا، فالشمبانزى، فالمكسيكى، فالهندى الأحمر، فاليابانى، فالألمانى، فالاسكتلندى، فالانجليزى، ثم جاء اليوم المجيد الذى خلق فيه الأمريكى!!.. فى الحقيقة إن فى العالم جدراناً كثيرة للتعصب ينبغى أن تزال، وبدلا من أن نقيم جداراً بيننا وبين جيراننا، من الأفضل أن نقيم طريقاً،... وكل واحد فى الأرض هو أخى الذى احتاج إليه، ويحتاج إلىَّ، فمثلا جندى أمريكى جريح فى الشرق الأقصى مدين بحياته لعالم يابانى هو كيستاسانو مكتشف جرثومة التيتانوس، وجندى روسى نقل له دم جديد والفضل لرجل نمساوى هو لاندستانير، وجندى ألمانى تحصن ضد التيفود بمعرفة روسى هو متشنيكوف، وبارجة هولندية نجت من الملاريا والفضل لجراسى الإيطالى، وطيار إنجليزى فى شمال أفريقيا نجا من فساد جرح عملية بفضل فرنسى هو باستير وألمانى هو كوخ،.. وفى السلم نجا أولادنا من الدفتريا بفضل يابانى وألمانى، ومن الجدرى بفضل إنجليزى وهكذا... إن المتعصب الأعمى وحش غير قابل للترويض،... وإذا كان أحدهم قد تخيل أن الحيوانات والوحوش اجتمعت معاً لتبحث مشروع الحصول على أمانهم فى المستقبل، إذ بالفيل يقول: إن كل شئ يكون حسناً إذا تخلص الجميع من كل أسلحة الدفاع والهجوم، ولم يبقوا إلا الأسنان، أما النمر فلم يقبل هذا الاقتراح وقال إنه مستعد أن يستغنى عن كل سلاح ماعدا المخالب، وكان اقتراح الذئب الاستغناء عن كل سلاح ماعدا الأنياب،.. وكان غضب الدب عظيماً لأنهم لم يوافقوا على إنهاء مشاكلهم بحضنة واحدة كبيرة!!..
على أنه من المحتمل عند البعض أن يكون إسكندر النحاس هو الإسكندر المرتد عن الإيمان، والذى أسلمه الرسول للشيطان للتأديب، حتى لا يجدف، والمقصود بتسليمه هنا حسب رأى الشراح هو أن اسكندر انضم إلى الكنيسة، وربما كان متحمساً فى البداءة، ويقال أنه كان خطيباً مفوها، ولا يمكن أن يقاوم بولس وأقواله سوى الخطيب المفوه، وربما كان له مصالح وأغراض لم يمكنه بولس منها، فخبا حماسه، وتحول عدواً لدوداً لبولس يحاربه كمرتد، وإذ رأى بولس ذلك حكم بقطعه من الكنيسة، فطرد منها، وازداد غيظه ورغبته فى الانتقام من بولس، وفعل ما يفعله المرتدون الذين يملأ الشيطان قلوبهم وأفكارهم، فيعيشون على شئ واحد يصبح رغبة حياتهم الكبرى، هو هدم الإيمان الذى أمسكوا به مرة سابقة فى حياتهم، وفى العادة يكون المرتد عن دين، من أكثر الناس حرصاً على تدمير الدين الذى ارتد عنه، وهى ظاهرة نفسية جديرة بالتأمل والالتفات،.. والمعتقد أن المرتد، وإن تظاهر بحماسه للدين أو المعتقد الذى تحول إليه، إلا أنه فى الحقيقة يغطى صراعاً نفسياً رهيباً داخلياً يحاول التخلص منه بالإمعان فى الثورة واضطهاد الدين الذى تخلى عنه، والمرتد الذى تخلى عن معتقده سعياً وراء أغراض دنيوية، أو بهيمية أو اجتماعية منحطة، لا يرغب أن يعيش فى صراع مع وجدانه وضميره كان لحظة بسبب هذا الانحطاط، وهو يتلمس لذلك تغطية هذه جميعاً برفس المناخس، وإلا دعاء بأنه ذهب إلى الاتجاه الآخر من أجل أمور سامية وشريفة، وهو لا يقبل أن يرى أمام عينيه ما يذكره بالتحول الذى طرأ عليه، ولذلك فهو يمعن كل الإمعان فى التخلص من الدين أو المعتقد الذى عاش فيه فترة من الزمن!!.. ومن الملاحظ أن بولس أسلم هيمينايس والاسكندر للشيطان بالطرد من الكنيسة وحرمانها من الامتيازات الكنسية، وقد يتعرضان بسبب تجديفهما إلى الضربات الإلهية، ومثل ذلك قد يكون رادعاً للبعض، أو قد يزيد المرتد اصراراً على ارتداده!!..
على أن الرأى الثالث هو أن مشكلة إسكندر النحاس العويصة كانت المشكلة المالية، إذ كانت تتملكه محبة المال، « ومحبة المال أصل لكل الشرور الذى إذا ابتغاه قوم ضلوا عن الإيمان وطعنوا أنفسهم باوجاع كثيرة »، (1 تى: 10) كان الرجل يكسب من صناعة التماثيل النحاسية والأصنام التى كان يعملها، وهو كديمتريوس الصنائع، استعرض صناعتها كلها للبوار تضيع كل مكاسبه نتيجة تبشير بولس وتعليمه!!.. كان فى إحدى المدن أخوان يتاجران فى بيع الفحم بالقطاعى، وحدث أن مبشراً مشهوراً زار المدينة، وعلى أثر عظائه تجدد الأخ الأكبر، وقد حاول جهده أن يقنع أخاه بالانضمام إلى الكنيسة، وفى أحد الأيام قال له لماذا لا تستطيع أن تكون رجلاً صالحاً وتنضم إلى الكنيسة كما فعلت أنا!!؟. وأجاب الأخ الآخر: حسن أن تكون أنت عضواً فى الكنيسة، أما إذا انضممت أنا إلى الكنيسة فمن الذى يقوم بوزن الفحم؟!!... كان من الصعب جداً على رجل كاإسكندر النحاس أن يتحول عن التجارة المحرمة، ويبحث عن أشغال أخرى فى النحاس يمكن أن تعطيه المكسب الحلال... قيل إن شاباً مسيحياً اسمه اسكار جامون كان يدير مخزناً للأطعمة، وآمن بالمسيح وتجدد فأرسل إلى عملائه يقول: سيدى أرسل لكم هذا الكتاب، لأذكر لكم أنى منذ تجددت فى أكتوبر الماضى كما تعلمون، أحسست أنى يجب أن أغير سلوكى، وقد بدأت بإبطال عادة التدخين، على أنى بعد ذلك أحسست أنه إذا كان لا يجوز لى أن أدخن، فلا يجوز لى أن أبيع التبغ، قامت فى داخلى حرب، الحكمة الأرضية تنادينى أن بيع التبغ مصدر كسب لى، لكن حكمة اللّه هتفت بى أنى أسلك فى طريق الحماقة، وحاولت أن أبرر نفسى، ولكن حكمة اللّه انتصرت، وقررت أنه ابتداء من 15 أغسطس سنة 1958 سأكف عن تجارة التبغ، على أنى سأحاول أن أقدم لعملائى أحسن ما يقدم من أصناف البقالة واللحوم. فى حدود طاقتى بالطبع، مع قبول احترامى!!.. ومن العجيب أن مستر جامون ذكر بأنه لم يخسر عميلا واحداً، وقد جاء الجميع يطلبون حاجتهم من متجره، وقد امتدحوه لأمانته وشجاعته، بل إن مثاله حفز البعض على الامتناع عن التدخين اقتداء به.. قال أحد الرعاة: إن غريباً حضر إلى كنيسته وكان فى ختام كل ترنيمة وفى أثناء العظة يهتف بكلمة « آمين » بكيفية تجلجل المكان، وسأل الراعى نفسه: ترى هل هذا الرجل صادق ومخلص فى صوته المرتفع أم هى حركة تمثيلية، وظل شكه مدة إلى أن جاءه فى احدى الليالى مظهرا اهتماماً كبيراً بالنفوس التى مات المسيح لأجلها، ووضع فى يد الراعى مائتى دولار لمساعدة الكنيسة فى هذا العمل!!.. إن المال محك كبير وامتحان قاس ما أكثر ما سقط فيه الكثيرون!!.. وقد يكون السبب الذى قرر من أجله اسكندر النحاس تدمير عمل بولس، أنه لا يستطيع ترك الربح الحرام، وهى معركة حياة أو موت بينه وبين الرسول العتيد!!.. 
اسكندر النحاس ومقاومته لبولس
يقول الرسول بولس: « اسكندر النحاس أظهر لى شروراً كثيرة »... ولا يستطيع المرء أن يقرأ هذه الكلمات دون أن يمتلئ حزناً وأسى، لأن الكلمات الأخيرة لبولس شملت أسماء عديدة، لم يكن أصحابها يعلمون على الإطلاق أن التاريخ سيكشف حياتهم بما فيها من خير أو شر لكل الأجيال والعصور، وقد وجد بين هذه الأسماء ألمع الشخصيات التى تميزت بالشجاعة والوفاء والأمانة والنبل، وسجلات حياتها ناصعة البياض مثل لوقا وتيخيكس وفرسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس، ووجد على العكس من بدأ حسناً وانتهى شيئاً كديماس،... ووجد من سقط وكبا، ولكنه لم يلبث أن نهض على قدميه مثل مرقس،.. على أنه لا يوجد بين هذه الأسماء جميعاً من ضارع اسكندر النحاس فى الشر الذى وصل إليه،... ومن أوصاف بولس له، يخيل إلينا أننا أمام شخصية شيطانية من هامة الرأس إلى أخمص القدم،.. وقد ينكر البعض الحلول الشيطانية، وأثر الشيطان فى حياة الناس، ولكن الكتاب يحدثنا لا عن هذه الحلول فحسب، بل عن درجاته المفاوتة فى الشدة والعنف، فهناك من أمسك به شيطان واحد، وهناك من أمسكت بها سبعة شياطين، وهناك من استولى عليه لجئون أو « أورطة » بأكملها، ولا أعرف كم عدد الشياطين التى دخلت اسكندر النحاس، ولكننا نتبين من مرارة الرسول وتحذيره لتيموثاوس مدى الشناعة التى يمكن أن يصل إليها الإنسان عندما يخضع لسلطان الشيطان، وقد كان اسكندر النحاس مثلا بارزاً لها،... يقول الرسول عنه: « لأنه قاوم أقوالنا جداً » فأية أقوال هذه وعلى وجه الخصوص لأنها أقوال بولس وصحبه، فهل يعنى هذا أن الرجل جند نفسه لمحاربة خدمة الرسول وصحبه وأنه فعل مالا يفعله إلا الشياطين أنفسهم فى الهزء والسخرية والكذب والتجديف على الحق الإلهى، وعلى كلمة اللّه، بأسلوب جنونى يصعب فهمه وتفسيره، وهل كانت هذه المقاومة فى أفسس، أم امتدت إلى أماكن أخرى، فكما يجند اللّه أبطاله فى الخدمة، يفعل الشيطان هكذا من خلال جنوده الأشرار القساة الغلاظ القلوب الذين وصفهم الحكيم سليمان فى أكثر من موضع فى سفر الأمثال: « التاركين سبل الاستقامة للسلوك فى مسالك الظلمة. الفرحين بفعل السوء المبتهجين بأكاذيب الشر، الذين طرقهم معوجة وهم ملتوون فى سبلهم» (أم 2: 13 - 15).. « لأنهم لا ينامون إن لم يفعلوا سوءاً وينزع نومهم إن لم يسقطوا أحداً (أم 4: 16)... «قلب ينشئ أفكاراً رديئة أرجل سريعة الجريان إلى السوء » (أم 6: 18).. «أما الأشرار فيمتلئون سوءاً (أم 12: 21) ومن المعتقد عند بعض الشراح أن اسكندر النحاس كان فصيحاً بليغاً ذرب اللسان مفوه التعبير، وقد استخدم كل بيانه وفصاحته ضد رسالة الإنجيل،... ومن المتصور عند البعض أنه لم يكتف بهذا، بل تحول فى خصومته العارمة لبولس إلى درجة أنه سافر من أفسس إلى روما،.. وأنه ذهب إلى هناك ليشهد ضده فى المحاكم بغية القضاء عليه بأية صورة أو وسيلة،.. وفى الحقيقة أن الشر عندما يتمكن من أحد، يحوله وحشاً ضارياً يسلك كل سبيل للقضاء على الآخرين دون أدنى تعفف أو تورع أو خشية وتهيب،... جاء فى صحيفة أمريكية وصفاً لأحدهم: « إن خلقه يبدو محترماً طالما ظل غير مكشوف، مع أنه فى حقيقته مستبدع طماع مغرور فى نفسه، لا يملك أية مهارة كجندى أو سياسى، لقد زحف نحو الشهرة بسبب وظيفته، وسياسته المالية أفقرت الشعب كله ليغتنى القليلون، وسيمزق التاريخ جميع الصفات التى كتبت مدحاً له!! هل يصدق أحد أن هذه الكلمات جاءت وصفا لواشنطون بطل الأمة وقائد استقلالها... وهل يصدق أحد أن جونسون دعى خائناً، ولنكولن قرداً وولسن داعية الإنجليز فى البيت الأبيض، وفرنكلين روزفلت عنده جنون مطبق!!.. ومن الثابت أن بولس أحس الأضرار البالغة التى جلبتها مقاومة اسكندر النحاس لعمل اللّه، وهل لا تضار الحنطة إذا وضع الزوان فى وسطها،... وهل يستطيع الجيش التقدم بالسرعة الكافية للأمام والأرض كلها فى طريقه حقول ألغام،... وهل يمكن أن ينتشر عمل اللّه فى كل البقاع وجنود الشر تعيقه عن التقدم والحركة من كل جانب،... لذلك لم يجد الرسول بدا من أن يحذر تيموثاوس من الرجل وشره وأضاليله وسمومه، إذ الواضح كما لاحظ بعض ثقاة المفسرين، أن الرجل وإن كان يكره بولس كراهية مخيفة مفزعة، إلا أنه كان أكثر كراهيةً لأقوال بولس ورسالته، وهو لا يريد تدمير بولس كشخص، بقدر ما يريد تدمير الرسالة التى يحمل بولس لواءها، ولذا فإن عداءه سيتجه حتماً إلى تيموثاوس أيضاً، وأنه كما فعل مع بولس، سيفعل مع الرجل الذى حل محله فى أفسس، وهذا هو فى الحقيقة لب الداء وأصله وعمقه،.. إن الذين يقاوموننا بسبب «أقوالنا»، لا تنصب خصومتهم بالدرجة الأولى على أشخاصنا، حتى ولو بدا منظرنا مكروها لا تستطيع عيونهم أن تتقبله وتراه،... إنها تنصب فى الواقع على العقيدة والإيمان المسيحى الذى نتمسك به، ولعل أكبر دليل على ذلك هو التحول من النقيض إلى النقيض لمن يتحول إلى معسكرهم ويمشى فى ركابهم، ويساير آراءهم وأفكارهم ومعتقداتهم، عندئذ يصبح مكروه الأمس محبوب اليوم، وعدو الماضى صديق الحاضر، وهى المأساة الرهيبة بين بنى الإنسان، عندما يتناحر الناس ويتصارعون ويتقاتلون بسبب الخلاف على العقيدة أو التحول فى الأفكار والمذاهب والمعتقدات. لم يكن الصراع بين اسكندر النحاس وبولس مجرد صراع بين شخصين، أو اختلاف مميت بين فردين،.. بل هو فى واقع الحال الخلاف الأكبر، والمقاومة العظمى بين من يمثلهما هذان الشخصان، بين المسيح الذى ينادى به بولس، والشيطان الذى يتخفى وراء اسكندر النحاس،... ومن المناسب أن نلاحظ أن معنى كلمة « ابليس »: « المجرب أو المشتكى أو المخادع أو القاذف »... ومعنى كلمة « شيطان: « المضاد أو المخاصم أو المقاوم أو الكامن»... وعندئذ نستطيع أن نرى أن كل تجربة أو شكوى أو خداع أو قذف، أو مضادة أو خصومة أو مقاومة ظاهرة أو كامنة من اسكندر النحاس لبولس، هى فى الحقيقة من الشيطان ضد المسيح ورسالته وأقواله التى كان يحملها بولس ويقوم بها!!.. ومن ثم كان خليقاً ببولس أن ينبه تيموثاوس ويحذره من أن شرور اسكندر النحاس والتى لا تنتهى، لابد ستلاحقه هو أيضاً، وأنه ينبغى أن يلاحظه بعين مفتوحة، ولا يخدع بقول معسول، أو يفزع من تهمة كاذبة، أو يتصور أنه قد يرتدع أو يتعفف عن تكرار أعماله وشروره!!.. إن الجندى المسيحى اليقظ عليه أن يعلم أن الشيطان عندما أفلس فى تجاربه مع المسيح، فارقه إلى حين!!... فإذا اختفى لحظة، فإنما ليعود أقسى وأنكى وأشد!
اسكندر النحاس وجزاؤه
يقول الرسول بولس عن الرجل: « ليجازه الرب حسب أعماله » وهى عبارة أثارت الكثير من الجدل والنقاش!!.. كيف يجوز للرسول أن يقول مثل هذا القول، وأية عاطفة كانت تسيطر عليه وقتئذ،... وهل يجوز للمسيحى أن يطلب نقمة اللّه على الأشرار أو الأعداء!!.. فى الكثير من الترجمات ترد ترجمة النص بالصورة الآتية: « سيجازيه الرب » فالفعل عندهم منصرف إلى المستقبل، وقد أخذ الكثيرون من الأباء بهذه الترجمة، ويتفق معهم الكثيرون من الشراح، وهم يقولون إن بولس لم تسيطر عليه عاطفة الغضب بقدر ما سيطرت عليه عاطفة الحزن، وهو لا يحمل فى قلبه شيئاً شخصياً ضد الرجل،... وهو الإنسان المقدس الذى تعمق فى الشركة مع اللّه، ويعلو على الحقد والكراهية والضغينة والانتقام، ولا يمكن أن تسيطر عليه عاطفة التشفى أو الثأر أو الشماتة التى تجتاح الكثيرين ممن عذبهم الآخرون عذاباً جسمانياً أو نفسياً أو روحياً،... وإن الرجل الذى كان يقطر دماً، ويئن من جراحه فى سجن فيلبى، ومع ذلك يقول للسجان الذى عامله أقسى معاملة، وهو يهم بقتل نفسه « لا تفعل بنفسك شيئاً ردياً »،.. مثل هذا الإنسان لا يمكن أن تسيطر عليه العاطفة التى تجعله يكتب آخر كلمات له على الأرض، وهو يحمل ضغينة شخصية فى قلبه، لأى مخلوق كيفما كان ومهما فعل!!... لكن بولس وهو يعلم - على ما يذهب إليه هؤلاء المفكرون - أن اسكندر النحاس مازال فى شره، وسيتوقع منه الكثير - ضد تيموثاوس وعمل اللّه فى أفسس، وهو يحذر تلميذه من خطر هذا الأفعوان أراد أن يشجع التلميذ أكثر من أن يصب شخصه على الباغى، فأكد له بروح النبوة أن جزاءه العتيد لابد أن يتم، وأنه لا مهرب من هذا الجزاء،... فإذا كان الشرير يتمادى فى شره، وأنه كلما عومل معاملة أرق وأجمل، كلما ازداد وحشية وشراسة، فإن الحقيقة المؤكدة هى أن عدالة اللّه الساهرة، هى له بالمرصاد، وستوقع به إن آجلا أو عاجلاً،... وأن عمل اللّه لا ينبغى أن يتوقف أو يتراجع، مهما بغى الباغون، أو اشتط المضطهدون: « لأن فوق العالى عالياً يلاحظ، والأعلى فوقهما » (جا 5: 8).. فالكلمات عند هذا الفريق من المفسرين هى كلمات نبوية،... على أن هناك من يقول إنه وإن كان لهذا الرأى قوته وسنده من المفسرين المتعمقين، إلا أننا لا يجوز أن نجرد الرسول من إحساسه بالغضب، خصوصاً وأن هذا الغضب ليس به أدنى ذرة من مشاعر أنانية شخصية، بل هو الغضب المقدس الممتلئ بالحزن والذى وصف به المسيح فى القول: « فنظر حوله إليهم بغضب حزيناً على غلاطة قلوبهم » (مر 3: 5).. وهو الغضب الذى استولى عليه عندما طهر الهيكل، بسوط من حبال،.. وهو الغضب الذى يستند بنا عندما نرى بشاعة ما يفعل الأشرار، وهم يحملون معاول الهدم ضد عمل اللّه العظيم فى الأرض!!.. كان بولس فى ذلك الوقت تحت تأثير هذا الغضب المتقد الحزين وهو يقول: «ليجازه الرب»... وهو نفس الغضب الذى استولى على المرنم فى قوله: « ألا أبغض مبغضيك يارب وأمقت مقاوميك؟ بغضاً تاماً أبغضتهم. صاروا لى أعداء » (مز 139: 21، 22) فإذا قال بولس بعد ذلك « ليجازه الرب » فهو يؤكد لتيموثاوس أن المؤمن لا يجوز له بتاتاً أن يرد أو يقاوم الشر بالشر، ولكن عليه أن يسلم لمن يقضى بعدل!!..
إن مأساة اسكندر النحاس فى الواقع هى مأساة كل شرير فى الأرض، لا يعلم أن الشر كالخير كلاهما سيجد جزاءه فى الأرض، وفى الأبدية أيضاً، ولم يكن الرجل يعلم قط أن شروره الكثيرة ستتحول عاراً أبدياً يلحقه فى كل العصور، ويكون جزاؤه الأبدى فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت: « لأن خارجاً الكلاب والسحرة والزناة والقتلة وعبدة الأوثان وكل من يحب ويصنع كذباً!!.. (رؤ 22: 15).

الثلاثاء، 17 أبريل 2012

السيد المسيح لما جابوله المراه الممسوكه في ذات الفعل كان بيكتب علي الارض الكتاب المقدي ما قالش كان بيكتب ايف
يمكن كان بيكتب مغفوره لك خطاياك
لو تاملت للحظات ووضعت نفسك مكان الست دي وهما بيجرجروها وكل واحد عينيه قبل ايديه زي السكاكين بتقطع فيها وهي بتحاول تلجا لاي انسان يحميها لكن كانت بتلاقي العيني زي السكاكين بتدبح وتقطع فيها وفجاه وسط الزحام لقيت نفسها وسسط الناس وفيه عينين مختلفه حست فيها بالامان لكن عقلها بيقولها انت نسيتي نفسك ولا ممسوكه في ايه علشان تروحي له وكمان اللي مسكوك وادانوك وما رحمكيش جايبينك ليه علشان يكمل اعدامك عينها ما فارقتش السيد وما صدقتش نفسها لما السيد المسيح بنفسه قالها ما تخافيش مغفوره ليك خطاياك وفجاه ما لقيتش حد حواليها وكل الجالادين اللي جاييبينها علشان تموت اختفوا ازاي هي ما تعرفش عي تعرف حاجه واحده بس انها خليقه جديده في المسيح
ايا كانت خطاياك
ايا كانت حالتك
حتي وان قلت منكل قلبك وكل فكرك مفيش فايده
الله منتظرك وفاتح لك ذراعيه وهو بنفسه جاييلك وفاتح حضنه ليك
فهل تقبل