الخميس، 1 سبتمبر 2011

بابا يسوع خلي بالك من نفسك



في يوم ...كان فيه بنوتة صغيرة اسمها ماريا .... كانت بتصلي قبل ما تنام زى كل يوم وزى ما أتعلمت في مدارس الأحد قدام صورة حبيبها يسوع .... كانت تعلم ان يسوع يحبها ..و ينتظرها كل يوم بحرارة ..علشان يتكلموا سوا ..فأغمضت عينيها وقالت بصوتها الرقيق ( بابا يسوع أنا بشكرك علي الحاجات الحلوة اللي أنت بتديهاني
...متخلنيش أنام و أنا خايفة... و حافظ على بابا و ماما وخلي بالك منهم... ومن اخويا الصغير ومن أختي الكبيرة.....ومن تاسوني في الكنيسة ومن أبونا.... ومن كل الناس و.....

سكتت البنوتة شوية وقالت وصوتها في خجل ((لو سمحت خلى بالك من نفسك.....)) و ختمت صلاتها....

بابا يسوع انا سني كبير شوية ...لكن تسمحلي اصلي لك زي الأطفال ؟؟
اسمح لي يارب أنى أتعلم من البنت دي..... يا ترى يارب أنت عامل أية ؟؟؟ فية حاجة مضايقاك؟؟؟؟
أخبارك أية؟؟؟؟
عملت أية لما جرحتك وسبتك و مشيت ورا الخطية ؟؟؟
طب بالليل بتضايق لما بنام و اسيبك لوحدك سهران تحرسني؟؟؟؟؟

أكيد بتضايق وأنا سهران قدام التلفزيون أو بكلم حد وسايبك ومشغول عنك ؟؟
طب أنت بتا خد بالك من نفسك و لا ناسي نفسك في انشغالك بينا؟؟؟
أكيد يارب بصعب عليك و انا سايب حبك و بجري ادور على حب من العالم ..اكيد بصعب عليك و انا عايش فقير و انت ابويا غني قوي لكني مش باخد حاجة منك علشان الدنيا شغلاني و مش لاحق اقعد معاك
أنا دايما بقولك خلى بالك من فلان وفلان وفلان و..... وحافظ على و على شغلي و حياتي أسمح لي يارب أقولك من قلبي (( أرجوك يارب خلى بالك من نفسك

الثلاثاء، 2 أغسطس 2011

الايس كريم و البقشيش


دخل أحد الأطفال إلى أحد المطاعم المزدحمة وجلس على احدى الطاولات و سأل الفتاة العاملة
هل يوجد ايس كريم بالشيكولاتة ؟ فأجابته نعم يوجد .
سألها بكم الايس كريم بالشيكولاتة هنا ؟ اجابته بخمسة جنيهات .
سألها مرة أخرى بكم الايس كريم بدون شىء( ايس كريم حليب فقط ) ؟ اجابته بتأفف بأربعة جنيهات .
فطلب منها أن تاتى له بكوب من الايس كريم حليب فقط ، فأحضرت الطلب و ظل الطفل يأكل و هو مستمتع وفى هذا الوقت ازدحم المكان ووقف البعض فى انتظار الطفل ، كانت الفتاه الجرسونة تنظر للطفل بغيظ لملابسه البسيطة واعتزازه بنفسه وثقته وبطئه بالاكل ، والبعض بالانتظار ان ينهى الطفل الايس كريم .
قام الطفل وطلب الفتاة وترك الحساب على الطاولة فاسرعت الفتاة لتنظف الطاولة و تأخذ الحساب و هنا كانت المفاجئة التى ادمعت الفتاة ، الطفل ترك خمسة جنيهات أى انه حرم نفسة من الايس كريم بالشيكولاتة لكى يترك للفتاة بقشيش جنيهاً.
احياناً نخطىء بالحكم على البعض و احياناً ننظر للبعض هذا غنى و هذا فقير و نحكم على البعض من خلال المستوى المادى للشخص قد يكون الانسان الذى امامى غنياً ولكنه داخلياً فقير فكل كنوز العالم لا تغنيه لأنه لا يشعر بالغنى الداخلى ، واحياناً يكون الأنسان فقيراً ولكنه غنى، غنى لأنه يشعر داخلياً بالغنى و انه قانع ولا ينظر للاخرين ولا يحمل شهوة لما يملكه الاخرين

الجمعة، 29 يوليو 2011

أنتم أحبائي إن فعلتم ما أوصيكم به"



أنجيل يوحنا15: 14

     - لقد صدق داود في مزموره القائل: "سِرَاجٌ لرجلي كلامُك ونور لسبيلي" (مز119: 105)، فكلامك يا ربي يضيء لنا في ظلمة هذا الدهر.

- كلامك بؤرة نور نسير على هداه، ونحن لا نستطيع أن نسير في ظلام هذا العالم دون أن يقودنا كلامك.

- فإن توقف نورك عن الهداية أمامنا، فكيف نسير؟ وإلى أين نسير؟ لأن نورك يقودنا إليك. فكيف نأتي إليك إن لم يمسك نورك بيدنا، فكلمتك حيَّة وفعَّالة ومضيئة، تسير أمامنا وإن توقَّفتْ توقَّفنا.

- وحبك هو القوة الوحيدة التي تدفعنا إليك، فكيف نأتي إليك إن لم يَدفعْنا حبك.

- فأنت قطب المحَّبين الذي يجذبنا نحوك، فكيف نأتي إليك إن لم يُهْدنا شعاعُ حبك. إن مصادر القوة في العالم كثيرة ومتعددة الفعَال والأفعال، ولكن قوة حبك هي سرُّ الوجود الوحيد الذي يجذبنا نحوك، فإن بَطَل جذبُك لنا، كيف نسير وكيف نأتي أليك؟ وجوهر حبك مذَّخر في كلمتك، وكلمتك خبَّأناها في أعمق أعماقنا لئلاَّ يزيَّفها العالم فننحرف عن قُطْبك الجاذب لمحبي كلمتك. فلستَ أنت، يا سيدي، وحدَك الذي تحب من يحفظ كلامك، لأننا نحن أيضاً إن لم نحفظْ كلامك، يستحيل علينا أن نأتي إليك وسط دروب العالم المظلمة، أيها النور الحقيقي الذي يضيء عالمنا المظلم. ونحن أحبَّاؤك بسبب كلامك الذي اذَّخرناه في داخل قلوبنا، فأنت وحدك تعلم أن كلامك الذي نفذ في إلى داخل قلوبنا هو ذخيرتنا في عالمنا المظلم.

- وذخيرتنا الوحيدة هذه هي مَطْمع الشيطان المتربَّص بنا ليخطفها من داخل قلوبنا، فنحن نستغيث بك أن تجعل كلامك مغروساً في لحمنا ودمنا، بعيداً عن أهواء العدو وخداعه فلا ينزعه منا.

- وكلامك حلو يا سيدى "أحلى من العسل وقطر الشهادة" (مز19: 10)، فنحن اخترناه ذخيرة فريدة دون كل أطياب العالم؛ فإن حفظنا كلامك فليس ذلك منَّة منا بل هو انجذاب كانجذاب الحديد للمغناطيس، فأية منَّة للحديد إن هو التصق بالمغناطيس. ومن ذا قادر أن يفصل كلاَمك عنَّا، فعلى قدر ما تحبنا، نحن نحبك، ويقوى حبك في قلوبنا، فنغلب به العالم. وبقدر ما تجذبنا يا سيدي ننجذب إليك، فالفضل في حبنا لك هو حبُّك لنا. وصَدَق نشيد الأنشاد حين قال: "أنا لحبيبي وحبيبي لي" (نش6: 3)! فنحن لك بقدر ما أنت لنا. وحبنا لك هو تحصيل حاصل، فأنت السابق ونحن اللاحقون.

- فأرجوك يا سيدي، أن تحبنا لأننا نحن نحبُّك، ولا نستطيع أن نحيا بعيداً عن حبك، لا لحظة واحدة ولا طرفة عين. فالموت والعدو يترصداننا إن لم يجذبنا حبُّك! ونحن يا سيدي نحبك حبَّين: حبّاً لأنك أحببتنا، وحبّاً لأنك أهلٌ لذاك!
_______________________________________________________________________________________________
         [عن كتاب: مع المسيح - الجزء الثاني، المؤلف: الأب متى المسكين، الطبعة الأولى:2006، صفحة: 183 - 185]

السبت، 23 يوليو 2011

لقاء السحاب

زيارة أبونا متى المسكين لأبونا عبد المسيح الحبشي قبل خروجة للتوُّحد -- من كتاب: السيرة التفصيلية لأبونا متى المسكين



- اشتياقه للتوحُّد وزيارته للأب عبد المسيح الحبشي:

* ظل الأب متى في دير السريان يجاهد في إرشاد الرهبان وأخذ اعترافتهم بالإضافة إلى مسئوليته عن حديقة الدير (حوالي 40 فداناً)، كما كان في تلك الفترة (عام 1951م) يكمل كتابه مواضيع كتاب "حياة الصلاة الأرثوذكسية" ويقرأ ويدرس في مكتبة الدير الغنية بالكتب والمخطوطات. ومع ذلك فقد أثمرت عشرته للرب اشتياقاً جارفاً إلى حياة التوحد.

* ولكنه قبل خروجه إلى الوحدة زار الأب عبد المسيح الحبشي المتوحد ليتعلم ويستلم منه حياة الوحدة وأصولها، وقد روى لنا ذلك بنفسه قائلاً: "مرةً كنتُ ذاهباً إلى دير البراموس بالليل قاصداً الأب عبد المسيح الحبشي، وكنتُ أحمل مقطفاً فيه بعض الحاجيات. ثم ضللتُ الطريق، وظللت سائراً في هذه البرية الشاسعة نحو ست ساعات في ظلام تام، وكنتُ أصعد على التلال العالية لكي أرى شيئاً ولكن بلا فائدة. وأخيراً سلَّمت الأمر للرب قائلاً: "يا رب تعلم أنت تعبي وضعفي، فقد تعبتُ كل هذه الساعات بدون فائدة، فتدخَّلْ أنت وانقذني"، وفجأةً، بينما كنتُ أصلي، رأيتُ نوراً ساطعاً جداً نزل من السماء فجأةً وأضاء دير البراموس كله كأنه في وضح النهار، فحددتُ اتجاه الدير واضعاً أمامي علامات ثابته على الطريق حتى وصلتُ إليه أخيراً شاكراً الرب الذي أنقذني وممجداً اسمه".

* ثم قصدتُ مغارة أبينا عبد المسيح الحبشي، فلما رآني قال في الحال بدون تفاهم: "راهب على ديرك"، أي: اذهب إلى ديرك، لأنه كان لا يعرف من اللغة العربية إلاَّ القليل. وأنا كنت مجهداً من مدة الست ساعات التي تُهتْ فيها. وأردتُ أن أفهَّمه شيئاً فلم يقبل. ثم دخلتُ مغارته وأخذت أشرب بالكوز من زلعة الماء، ولما ملأت الكوز مرةً أخرى لأنني كنتُ عطشاناً جداً. نظر إلىَّ بعدم استحسان وقال لي: "راهب مصري كسورة"، ومعناها "غير منضبط"، لأنه هو كان عنيفاً في نسكه، فكان يشرب بالكيل. وبعد أن شربتُ تمدَّدتُ من التعب على فراشه الخاص، فاندهش من جرأتي وظل يتمتم: "راهب. راهب؟ ماذا تفعل"؟ وبدأت أتفاهم معه وعرّفته أن معي حاجات له في هذا المقطف، وأنني جئتُ لأمكث معه وأخدمه بعض الوقت، فاستراح واطمأنَّ لي".

* ثم سألني: "ماذا عملك قبل الرهبنة"؟ فقلتُ له: "حمَّار (أي أقود حماراً)، وأعرف الطرق في الجبال والصحاري"! فهزَّ رأسه وقال لي: "تنفع"! وظللتُ أخدمه، وبعد فترة جاء بعض الرهبان من دير البراموس ممن يعرفونني، فقالوا للأب عبد المسيح: "خد بالك منه، فهو دكتور". فجاءني موبَّخاً قائلاً: "لماذا كذبت عليَّ؟ أما كنتَ طبيباً"؟ فقلتُ له: "أنا حقاً حمَّاراً"، وذلك إمعاناً في إلغاء ذاتي. ثم قال لي: "اعلم أن يسوع هو طبيباً وهو دواؤنا وهو شفاؤنا". وقد مكثتُ عنده فترة تعلَّمتُ فيها النسك على أصوله".

الجمعة، 22 يوليو 2011

الكوخ المحترق

الكوخ المحترق .


هبت عاصفة شديدة على سفينة فى عرض البحر فأغرقتها.. ونجا بعض الركاب..
منهم رجل أخذت الأمواج تتلاعب به حتى ألقت به على شاطئ جزيرة مجهولة و مهجورة.
ما كاد الرجل يفيق من إغمائه و يلتقط أنفاسه، حتى سقط على ركبتيه و طلب من الله المعونة والمساعدة و سأله أن ينقذه من هذا الوضع الأليم.

مرت عدة أيام كان الرجل يقتات خلالها من ثمار الشجر و ما يصطاده من أرانب،
و يشرب من جدول مياه قريب و ينام فى كوخ صغير بناه من أعواد الشجر ليحتمى
فيه من برد الليل و حر النهار.
و ذات يوم، أخذ الرجل يتجول حول كوخه قليلا ريثما ينضج طعامه الموضوع على
بعض أعواد الخشب المتقدة. و لكنه عندما عاد، فوجئ بأن النار التهمت كل ما حولها.
فأخذ يصرخ: "لماذا يا رب؟
حتى الكوخ احترق، لم يعد يتبقى لى شئ فى هذه الدنيا و أنا غريب فى هذا المكان،
والآن أيضاً يحترق الكوخ الذى أنام فيه... لماذا يا رب كل هذه المصائب تأتى علىّ؟!!"
و نام الرجل من الحزن و هو جوعان، و لكن فى الصباح كانت هناك مفاجأة فى انتظاره..
إذ وجد سفينة تقترب من الجزيرة و تنزل منها قارباً صغيراً لإنقاذه.
أما الرجل فعندما صعد على سطح السفينة أخذ يسألهم كيف وجدوا مكانه
فأجابوه: "لقد رأينا دخاناً، فعرفنا إن شخصاً ما يطلب الإنقاذ" !!!

إذا ساءت ظروفك فلا تخف..

فقط ثِق بأنَّ الله له حكمة في كل شيء يحدث لك وأحسن الظن به..

و عندما يحترق كوخك.. اعلم أن الله يسعى لانقاذك..

الاثنين، 18 يوليو 2011

قصه واقعيه

وقعت احداث تلك القصة منذ قرابة الخمس اعوام فى الولايات المتحدة الامريكية عندما دخل الزوج في مشاداة كلامية مع زوجته و فقد الزوج اعصابه ، و اخرج المسدس من درج مكتبه و قتل زوجته وام ابنته امام عينى الابنة ، ثم احس الاب بمدى جرمه و تسرب اليأس الى قلبه و سكنه ابليس فوجه المسدس إلى رأسه وقتل نفسه و صار له نصيب يهوذا .
وكل هذا أمام اعين الطفلة التى كان عمرها لا يتعدى الخمس سنوات انذاك.
ثم تم وضع الطفلة فى ملجأ للايتام لأنه لم يكن لها احد سوى ابيها و امها الذين ماتوا .
و كانت الام المسؤلة عن الدار مسيحية متدينة فأخذت الطفلة إلى الكنيسة يوم الأحد و لم تكن تلك الطفلة قد عرفت قبلا أى شىء عن المسيح أو الكنيسة .

و بعد القداس أخذت الام الطفلة إلى مدارس الاحد و اخبرت الخادم أن يكون صبوراّ معها لأنها لا تعرف شىء عن المسيحية ..

ففكر الخادم كيف يخبر الطفلة عن يسوع . فاخرج من جيب قميصه صورة للمسيح و سأل الأطفال من منكم يعرف هذا الرجل ؟؟!

ففوجىء الخادم أن الطفلة قد رفعت يدها لتجيب على سؤاله فتعجب و تركها تجيب على السؤال .
فوقفت الطفلة وقالت :
"هذا هو الرجل الذى ضمنى طوال الليل إلى حضنه فى اليوم الذى مات فيه ابى و امى "..
اخوتى فى الرب, هذا هو المسيح الاب الحنون الذى أن نسيت الام رضيعها هو لاينساه 

فأبى و امى قد تركانى اما الرب فقبلنى
قصه واقعيه

الأحد، 10 يوليو 2011

صنبور مفتوح




يروى لنا M.P.Green ان إحدى مستشفيات الأمراض العقلية كانت تجرى اختبارا غير عادى قبل السماح لمريض أن يخرج منها، وذلك للتأكد من تمام شفائه. كان الطبيب يأتى بالمريض إلى حجرة بها حوض مملوء ماءً، ويترك صنبور الماء مفتوحاً بدرجة صغيرة ويطلب من المريض أن يمسك بيد المنشفة لكى يُجفف أرضية الحجرة المبللة.
لاحظ الطبيب أن المريض يمسح الأرض دون أن يغلق الصنبور، وبالتالى تتساقط المياه من الحوض على أرضية الحجرة. وهكذا بقى المريض يعمل بلا جدوى، إذا لم تجف الارض. عندئذ طلب الطبيب من المستشفى عدم خروجه، لأن شفاءه لم يتحقق بعد.
كثيرا ما نفعل ما فعله هذا المريض، حيث نترك صنبور حواسنا مفتوحا، وتبقى أرضية قلبنا مبللة بمياة العثرات التى تتسلل من العين او الأذن أو اللسان أو الأنف أو اللمس.... وباطلاً نحاول أن نُجفف قلبنا من هذا الدنس! إننا محتاجون إلى مسيحنا طبيب النفوس الذى معه مفتاح داود يفتح ولا احد يغلق ويغلق ولا احد يفتح هو وحدة قادر أن يقدس حواسنا فلا تتسلل خلالها مياه الدنس.

ضع يارب حارساً لفمى وبابا حصيناً لكل ابواب قلبى !
لتكن انت حارسا لأعماقى، فلا تتسلل خطية ما ولا شبه خطية.
من يشفى افكارى؟! من يُقدس أعماقى!؟
من يُجفف آثار خطاياى ؟!
انت هو بري وسرّ قداستى؟!
قصص قصيرة لأبونا تادرس يعقوب ملطى – قصة رقم 197

الأحد، 3 يوليو 2011

تذكر دائماً: "لا تستخلص النتائج حتى تعرف كل الحقائق"



يحكى أن رجلاً عجوزاً كان جالساً مع ابن له يبلغ من العمر 25 سنة في القطار. وبدا الكثير من البهجة والفضول على وجه الشاب الذي كان يجلس بجانب النافذة.اخرج يديه من النافذة وشعر بمرور الهواء وصرخ "أبي انظر جميع الأشجار تسير ورائنا"!! فتبسم الرجل العجوز متماشياً مع فرحة ابنه.وكانيجلس بجانبهم زوجان ويستمعون إلى ما يدور من حديث بين الأب وا......بنه. وشعروا بقليل من الإحراج فكيف يتصرف شاب في عمر 25 سنة كالطفل!!فجأة صرخ الشاب مرة أخرى: "أبي، انظر إلى البركة وما فيها من حيوانات، أنظر..الغيوم تسير مع القطار". واستمر تعجب الزوجين من حديث الشاب مرة أخرى.ثم بدأ هطول الأمطار، وقطرات الماء تتساقط على يد الشاب، الذي امتلأ وجهه بالسعادة وصرخ مرة أخرى ، "أبي إنها تمطر ، والماء لمس يدي، انظر يا أبي".وفي هذه اللحظة لم يستطع الزوجان السكوت وسألوا الرجل العجوز" لماذا لا تقوم بزيارة الطبيب والحصول على علاج لابنك؟"هنا قال الرجل العجوز:" إننا قادمون من المستشفى حيث أن ابني قد أصبح بصيراً لأول مرة في حياته ".


الجمعة، 1 يوليو 2011

تذكار المحبة -- من كتاب: [مع المسيح في آلامه حتى الصليب] للأب متى المسكين



 
عظة يوم الأربعاء من البصخة المقدسة
                                                    تذكار المحبة

                                                                                    أمضى يسوع هذا اليوم في بيت عنيا 
                                                                                    في خلوة حيث تقبل من مريم هديتها.


"فَأَخَذَتْ مَرْيَمُ مَنًا مِنْ طِيبِ نَارِدِينٍ خَالِصٍ كَثِيرِ الثَّمَنِ، وَدَهَنَتْ قَدَمَيْ يَسُوعَ،
وَمَسَحَتْ قَدَمَيْهِ بِشَعْرِهَا" (يو12:3)
- هناك خدمات وأعمال نعملها باسم الله نحو الفقراء والمحتاجين. وهذه الأعمال ممدوحة ومشكورة لأنها صادرة من شعور بالرحمة و التضحية.
- وهناك أعمال نعملها مع الله مباشرة، وهذه لا تُرى ولا يسمع بها الناس، وهي أعظم من أن تُمدَح أو يُشكر عليها، لأنها صادرة عن حب داخلي من القلب نحو الله.
- الأعمال الأولى نُمدح عليها من الناس، وربما لا نُمدح عليها من الله، اذا كانت قد عُملت من أجل مديح الناس وشكرهم وتعظيمهم لنا. أما تقدمة قلوبنا لله بأعمال المحبة المباشرة نحوه فهذه تكون صادقة ليس فيها غش او رياء، يقبلها الله كما قبل الطيب المسكوب على جسدة من مريم، هذه إذا رآها الناس أو شعروا بها فإنهم يرذلونها او على الأقل يغتاظون " وكان قوم مغتاظين في أنفسهم فقالوا لماذا كان تلف الطيب هذا" (مر14:4).
محبة التمجيد:
- ما أقل الصادقين في حبهم نحو المسيح الذين يعملون ويخدمون، لا من أجل الناس ولا من أجل أنفسهم، وإنما بدافع الحب العميق للمسيح المتأجج في قلوبهم.
- حينما تقدم صدقتك للمسكين، أتشعر أنك تقدمها للمسيح بدافع الحب له؟
- حينما تصلي وتسبَّح مع المصلين، أتشعر أنك تخاطب الله بقلبك؟
- حينما تحب أهلك و أصدقاءك ومعارفك، هل تشعر أن دافع المحبة مصدره حبك للمسيح؟
- حينما تتقدم على المذبح للتناول من جسد الرب ودمه، هل تشعر أنك له وهو لك، يربطكما رباط المحبة الخالدة؟
- أن كانت أعمالك مصدرها حبك للمسيح، فثق أنك تمجد الله بمحبتك وأعمالك وقد صارت لك هذه كلها بخوراً زكياً أمام الله كل حين.
- أما إذا كانت أعمالك بدافع الواجب أو المجاملة للناس أو الفخر، فثق أنها كلها خسارة وقد صارت كالسقط الذي يولد ميتاً.


تمجيد المحبة:

- تقدمت المرأة الخاطئة بقارورة طيب كثير الثمن وسكبته على رجلي المسيح ومزجته بدموعها ومسحته بشعرها، فقال عنها المسيح انها أحبت كثيراً ولذلك غُفرت لها خطاياها الكثيرة.
- وتقدمت مريم أخت لعازر بقارورة طيب كثير الثمن أيضاً ودهنت به قدمي المسيح ومسحت قدميه بشعر رأسها. فقال عنها أنها كفنت بالطيب جسده. 
- وما أكثر الحب الأول فقد استطاع أن يكفَّر عن كل الذنوب والخطايا السالفة.
- وما أروع الحب الثاني، فقد استطاع أن يكفَّن جسد المسيح ذاته!
- الحب الأول عاد بالخير على صاحبته، والحب الثاني كان للمسيح بلا مقابل.
- ما أمجد الحب الخالص الذى بلا مقابل وبلا ثمن!
- جيد أن نحب المسيح لأنه افتدانا من اللعنة والخطية وسلطان الموت.
- وجيد أن نحب المسيح لأنه فتح لنا باب الفردوس الذي كان قد أُغلق في وجوهنا.
- جيد أن نحب المسيح الذي أهَّلنا أن نشترك معه في مجده الى الأبد.
  + ولكن أعظم من هذا كله ان نحب المسيح "لأنه هو أحبنا أولاً"(1يو4: 19)!
محبة غالية:
- من هي مريم التي قدمت قارورة طيب بثلاثمائة دينار؟ لم تكن ملكة ولا أميرة أو حتى ذات أموال، بل إمرأة فقيرة، ولكنها جمعت كل أموالها واشترت زجاجة طيب... إنه جنون المحبة الذي هزأ به يهوذا اللص الخائن، وقال عنه إنه إتلاف، أما المسيح فمدحه جدا... يهوذا قدَّره بالمال وثمَّنه كخبير في الأسعار بثلاثمائة دينار، أما المسيح فقدَّر المحبة التي فيه فوجدها تفوق الأرض وما عليها.
- إن كل خدمة نؤديها أو عطية نعطيها أو كلمة نقولها سوف يزنها المسيح بميزان الحب، وحينئذ تكون المكافأة والمجازاة، لا عن مقدار الخدمة أو عظم العطية أو قوة الكلمة، وإنما عن صدق المحبة التي دفعتنا إلى ذلك.
محبة ناضجة:
- لم يكن شعوراً طارئاً ذلك الذي دفع مريم لتقديم هديتها، ولكنه شعور بدأ عندما كانت تجلس عند قدميه، وعلمت منه سراً أنه سيموت بأيدي رؤساء الكهنة و اليهود، وأيقنت من كلام السيد أن هذا لابد أن يكون... حينئذ ابتدأ حبها ينفعل فيها لتقدم له شيئاً يليق بموته!!
- ومنذ تلك اللحظة وهي تجمع كل ما لديها حتى اشترت قارورة الطيب التي أذابت فيها كل مشاعر المحبة، وحفظتها عندها إلى أن يحين الوقت: "فقال يسوع اتركوها إنها ليوم تكفيني قد حفظته" (يو12:7).
- هذه هى المحبة التى محصها الزمن فقويت وهاجمتها شكوك النفس فثبتت وقامت ضدها حاجة المعيشة فغلبت!  
- كثيرا ما نتقدم بعمل من أعمال المحبة وإذ يُترك لنا الفرصة قليلا نتردد، وإذا طال الزمن نبرد، فإذا طولبنا بوعدنا نرفض!  
- يا ليت يكون حبنا ناضجاً عنيداً نحفظه في قلوبنا لوقته فلا تزيده الأيام إلا قوة وتأكيداً.
- قدمت مريم هديتها فى اللحظة المناسبة، إذ بعد أن دهنت رجليه بالطيب، قام وذهب الى ليصلب وترك بيت عنيا ولم يعد إليها.
- الفرص أمامك يا أخي، ولا تستشِرْني ماذا أقدم للمسيح لأن مريم لم تستشر أحداً إلا قلبها.
محبة صامتة: 
مريم حفظت الطيب عندها سراً، وقدمته صامته، ولم تتحدث عنه بعد ذلك لأحد.
 
              يا من تحب المسيح، تعلم من مريم...
 من كتاب: مع المسيح في آلامه حتى الصليب
المؤلف: الأب متى المسكين 
صفحة: 81 - 84  
الطبعة الثامنة:

الأربعاء، 29 يونيو 2011

ولحق قطار المحبة



كان سامح يرقد علي سريره و وجهه شاحب و يبدو عليه المرض كان العلاج الذي يأخذه قد تسبب في سقوط شعره ॥دخلت ماما الي غرفة سامح و رأت الدموع في عينيــــــه । .قالت ماما :" ماذا حدث يا حبيبي ؟؟..هل تشعر بأي ألم أو تعب ؟.." قال سامح بصوت مرتعش :" أنا خائف ..يبدو و كأن الله بعيد عني منذ مرضت وأنا أشعر أن الله ليس موجودا ..."قالت ماما مشجعة :" ربما أشعر مثلك أحيانالكن الله وعد أن يكون معنا دائما أحيانا أشعر أنه من الصعب أن نستمر في الصلاة و في الثقة بالله لكننا نحتاج ان نستمر مصلين و واثقين فيه .."ثم جلست علي السرير بجوار سامحو قالت :" ما تشعر به ليس غريبا انه يذكرني بشئ حدث لي عندما كنت صغيرة .."قال سامح :" هل كنت مريضة ؟.."هزت ماما رأسها و قالت :" لا كنت مع أسرتي في رحلة بالقطار عندما توقف القطار في احدي المحطات نزل بابا من القطار ليشتري لنا بعض الأشياء جلست بجانب النافذة أترقب عودته كنت خائفة أن يتحرك القطار قبل عودة بابا أحسست بالراحة عندما رأيت بابا يقترب من القطار بعد عدة دقائق بدأ القطار يتحرك لكن بابا لم يكن معنا.شعرت بالخوف الشديد و بدأت أبكي خوفا من ان بابا لم يلحق بالقطار . ." قال سامح بانفعال :" هل حدث ذلك فعلا ؟؟..." قالت ماما :" لا ..كانت ماما تحاول أن تهدئني و تقول أن بابا ركب القطار لكنه لم يأت الي العربة التي نجلس فيها لم أستطع أن أصدقها و استمررت في البكاء حتي وصل بابا حيث كنا جالسين كان يمكنني أن أتجنب الكثير من القلق و البكاء لو أنني صدقت كلام ماما كلمة الله صادقة أكثر بكثير من أي شخص آخر يجب أن تصدق أن الله معنا و لن يتركنا لأنه وعدنا بذلك .." قال لها سامح :" أرني هذا الوعد في الكتاب المقدس ..أريد أن أقرأه بنفسي .."(لأنه قال ( الله ).لا أهملك و لا أتركك )

و مـــــــاذا عنـــــــــك ؟؟؟ عندما تمر بظروف صعبة (مثلا عندما تمرض أو يفقد والدك وظيفته أو يهاجر صديقك الي بلد آخرأو تحدث مشاكل كبيرة بين والدك و والدتك أحيانا تشعر ان الله نسيك ॥يبدو لك أن الله لا يهتم بك و أن تركك ॥الكتاب المقدس يؤكد لك أن الله قريب حتي و ان كنت لا تشعر بوجوده ।يمكنك أن تقلق و تخافأ و أن أتثق في وعود الله أنه قريب في كل الظروف

الجمعة، 24 يونيو 2011

التلميذ الذى وجد الله


بعد فترة طويلة من الحياة المشتركة والدراسة والتأمُّل ترك التلاميذ الثلاثة معلمهم ليبدؤا رسالتهم في العالم.
وبعد عشر سنوات عاد التلاميذ الثلاثة إلى معلمهم ليخبروه بما جرى معهم، فأجلسهم بجانبه لأنه لم يكن يستطيع الوقوف بسبب آلامه الكثيرة. فقال الأول بكبرياء: "لقد ألّفت كُتُباً كثيرة وبعت آلاف النُسخ". فأجاب المُعلِّم: "لقد ملأتَ العالم بالورق". وقال الثاني: "لقد وعظتُ في أشهر الكنائس". فأجبه المعلم: "لقد ملأت العالمَ كلاماً". ثم قال الثالث: "عرفت أنك مريضٌ، فأحضرت لك الوسادة لتضع رجليك عليها فتستريح". فقال له المعلم باسماً: "أما أنت فقد وجدتَ الله".

الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مواظبين على الصلاة

مواظبين على الصلاة -- عن كتاب: [شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية] للأب متى المسكين

                               "مواظبين على الصلاة"
                                                   (رومية 12:12)

- أمر الصلاة معروف ولا مزايدة عليه، والحديث فيه يملأ كتباً، ولكن الذي يقصده القديس بولس هو المواظبة. والترجمة العربية هنا ميتة لا تفي بتوضيح الكلمة، والكلمة اليونانية معناها الحرفي "الأستمرار بعزيمة او بشدة"، وتأتي بالإنجليزية: Steadfastly continuing، ووجدتها في القاموس الكبير تعني أن يدوم بعناد ويلتصق بشدة persist obstinately . والذي نود أن نوجه إليه فكر القارئ أن الصلاة شيء، والصلاة المستمرة بشدة وعزيمة شيء آخر.

- الرب يسوع أراد مرة أن يوضح قوة الصلاة المستمرة بشدة فعرفها كالآتي: "أفلا يُنْصِف الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه ينصفهم سريعاً." (لو18: 7 و 8)

- هنا "الصلاة المستمرة بشدة وعزيمة" قد وضع الرب مواصفاتها، فهي "صراخ" وليست مجرد صلاة وكأنها تسليم رسالة، وصراخ يبدو أنه لا يَكُفُّ بالنهار وبالليل. وفي المقابل فإن الله يظهر في البداية وكأنه متمهل كأنه لا يسمع، لماذا؟ لكي يرنفع الصراخ إلى مستوى الصراخ الحقيقي. لماذا؟ لكي ترتفع طاقات الروح والوعي للتلامس مع مشيئة الله وتكون على مستواها. حينئذ يستجيب الله سريعاً دون إبطاء. فعند بلوغ مشيئة الإنسان الإيمانية الحرّة الصادقة من كل الوعي والروح والكيان إلى مستوى مشيئة الله، يتحرك الله في الحال بالاستجابة مهما كلَّف الله ذلك، حتى وإلى أن يعطي الإنسان ما لم يكن مستعداً أن يعطيه: "حوَّلي عني عينيكِ فإنهما قد غلبتاني" (نش6: 5)، "ملكوت الله يُغصب والغاصبون يختطفونه (بدموعهم)." (مت11: 12)

- في صلاتي، مثل كل من يصلّي، اكتشفت أنه يوجد على مسافة زمنية من بدء الصلاة حاجزٌ عرفته من التكرار، فهو حاجز خطر، وهو الذي تسقط عنده ألوف الصلوات فارغة، هو "حاجز الملل" فبعد أن يبدأ الإنسان الصلاة بحرارة نوعاً ما وإذ يطول وقت الصلاة وتضعف العزيمة يبدأ الإنسان يتراخى فيصطدم بحاجز الملل، فيختم الصلاة ويكتفي بالعودة إلى ما كان منشغلاً فيه. فلما تكرر الحال وتعرَّفت على حاجز الملل وأدركت أن وراءه أصبع العدو، صممت أن أخترقه بأي ثمن، فاستنجدت بروح الله، وظللت أُصلي بصراخ أنْ نجني يا رب من الملل، فنجَّاني، وعبرت حاجز الملل، فوجدت الصلاة وقد امتدت إلى ما شاء الله، حتى قلت كفى يا رب إن هذا هو الملكوت!

- ق. بولس يطلب من المؤمنين أن يتعرَّفوا على هذا النوع من الصلاة ويتخذونه عُدَّتهم في الجهاد والصبر. لذلك نجده يذكر هذا النوع من الصلاة بعد أن قال: "غير متكاسلين في الاجتهاد، حارين في الروح، عابدين الرب، فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق"، ذلك "بالاستمرار في الصلاة بعزيمة وعناد وبشدة". وفي الحقيقة فإن هذا يُعتبر بحد ذاته سراً من أسرار حياة الإيمان للإنسان المسيحي يقدَّمه ق. بولس في اختصار وفي لغة تحتاج إلى مَنْ يدقَّق فيها ويكتشف معناها ومقصدها، وهوذا الرب أعطانا أن نكشفها. فلو أنت عملت بها، عرفت معنى الصلاة وقوتها!

الخميس، 9 يونيو 2011

سر الزيجة، والطلاق -- من كتاب: [رسالة توعية] للأب متى المسكين

 ["عن كتاب: رسالة توعية" -- " صفحة: 6 - 10" -- "الطبعة الثانية: 2007"]

إن التشدّد الحادث فى العهـد الجـديد بواسطة المسيح فى أمـر الزواج والطـلاق أكـثر من العـهد القديم، راجـع إلى انفتاح الملكوت والحياة مع الله. فدخـلت عـلاقة الرجـل بالمـرأة وضـع الخـلقة الأول، كما تمسَّـك بذلك المسيح حينما سُئل:

+ "هل يحل للرجل أن يطلق امراته، ليجرَّبوه. فأجاب وقال لهم: بماذا أوصاكم موسى. فقالوا: موسى أَذن أن يُكتب كتاب طلاق فتُطلَّق. فأجاب يسوع و قال لهم من أجل قساوة قلوبكم كتب لكم هذه الوصية، ولكن من بدء الخليقة ذكرآ وأنثى خلقهما الله، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، و يكونان الاثنان جسدآ واحدآ، إذ ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان"( مرقس 10: 2 ـ 9 )

- ونقـول إنه بانفتاح الملكـوت أصـبحت الكنيسة تمارس سر الزيجـة بين الرجـل والمـرأة لحساب الملكـوت والنسل الخـارج منهمـا. ومن هـذا المنطـلق لم تعُـدْ الزيجـة للمتعـة، ولا عـلى مستوى العـالم، بل عـلى مستوى مـيراث الملكـوت والحياة الأبـدية. ومضمون سر الزيجـة المسيحي، هو حـدوث اتحـاد سرّي بالروح القـدس بين الرجـل والمـرأة عـلى أساس اتحادهما معـًا فى جسد المسيح، فهـذا هـو الذى جمعهما إلى واحـد. بمعنى أنـه بصـلاة الكنيسة وطـلب الروح القـدس ليحـل ويبارك عـلى اتحادهما، يحـدث الاتحـاد السري بالروح القدس فى جسد المسيح. لأنـه لا يمكـن أن تحـدث وحـدة فى الكنيسة بدون الروح القـدس وبدون جسد المسيح. فلو عـلمنا أن الكنيسة تمثّـل جسد المسيح السرَّي يصبح اتحـادهما إلى جسد واحـد جـزءًا لا يتجـزّأ من كـيان الكنيسة التى هى جسد المسيح.

- فالآن ينبغى أن نتصـوّر أن اتحـاد الرجـل والمـرأة بسرّ الزيجـة، بواسطة الكنيسة، ينشئ كيانـًا جـديدًا للرجـل والمـرأة. كـيانـًا متحـدًا من  "أنا" الرجـل،  و"أنا" المـراة، هـو " أنا" الزيجـة. هـذا الكـيان الجـديد هـو مقدّس أمـام الله، يمتلكـه الزوج والزوجـة والمسيح، وهـو أعـلى من كـيان الرجـل وكـيان المـرأة منفـردين، وهـو مصـدر قوتهما وسعـادتهما فى حـياة الزيجـة الجـديدة، و كمـا قلـنا إنه ليس مِلكـًا للرجـل وحـده ولا للمـرأة وحـدها، بلّ مِلكـًا لهمـا معـًا باتفـاق وتحت وصاية المسيح وبركـة وقـوة الروح القـدس صاحب السر!!

- وطالما حافظ عـليه كـلّ من الرجـل و المـرأة، و كـرّماه وقّدسـاه، تقـدّسا به وصار ضمين خـلاصهما معـًا وقداستهما معـًا ولحساب الملكـوت؛ ولكن لا يدخـلان الملكـوت بهـذه الوحـدة المقـدسة بسرّ الزيجـة، ولكنها تؤهلهمـا لدخـول الملكوت كـلٌّ بكمـاله المسيحى، حيث هـناك تصـير الوحـدة الكـاملة الفـردية مع المسيح، لأن في الملكـوت لا توجـد ثنائيـات زيجيـة، بلّ وحـدة مـن الكـلّ في المسيح.

- هـنا اتحـاد الرجـل والمـرأة لتكـوين الكـيان الزيجـى الجـديد المتّحـد بالمسيح والروح القـدس، يدخـل فيه المسيح كعـنصـر أساسى يكمّـل بوجـوده عجـز الخـليقة ويقـدّسها لحساب الآب. والغـاية الكـبرى من سرّ الزيجـة وخلق هـذا الكـيان الجـديد من الرجـل والمـرأة واتحادهما بالمسيح، هـو النسل. فالكنيسة عينها من النسل، لأنه هـو وجـودها وحـياتها، فالنسل المتحـصّـل من الزيجـات المقدسة، هـو الأعـضاء التى تكـوّن هيكـل الكنيسة. فهَـمَّ الكنيسة الأعظم هـو النسل الذى إذا تربّى وعاش تحت مظـلّة الزيجـة المقدسة المتحـدة بالمسيح والمـؤازرة بروح الله، تضمن الكنيسة خـلاصه ليكـونوا أعـضاء فى الملكـوت. وواضـح الآن أن سرّ الزيجـة ينتهى بالملكـوت للرجـل والمـرأة والنسل.

- فالآن كيف نطـيق بعـد هـذا البنـاء لهيكـل الكنيسة ولحساب الملكـوت، و نتصـوّر أن يحـدث طـلاق؟ألا يكـون هـذا بمثابة تقطـيع الكـيان السرّى الجـديد الذى نشأ من اتحـاد الرجـل والمـرأة بسر الزيجـة، وحضـور الروح القـدس، والاتحـاد بجسم المسيح؟

- ثم ألا يكـون هـذا هـدمًا لجسم الكنيسة، وقطعـًا للطـريق أمـام الرجـل والمـرأة والنسل المـؤدى إلى الملكـوت؟
- لذلك نعـود ونؤكّـد أن سر الزيجـة وما ينشأ منـه باتحـاد الرجـل والمـرأة ليكـونا جسدًا واحـدًا فى المسيح بكـيان جـديد، هـو عـنصـر بنـاء الكنيسة. وليس هـذا تصـوّرًا أو عـقيدة أو افـتراضًا، بلّ واقـعٌ حىٌّ يَـغـَار عـليه المسيح.

- فالكنيسة التي تتهـاون فى تسهـيل الطـلاق، إنما تهـدم نفسها وتقضى عـلى مستقـبل الذين سهَّـلت لهم الطـلاق وهـذا يكـاد يكـون غـلقـًا لباب الملكـوت فى وجـوههم.

- لذلك إذا قـرأنا وسمعـنا المسيح يتشدّد فى ذلك، فالأمـر يخصّـه وهـو يَغـَارُ عـلى جسده وعـلى مستقـبل أولاده بالنسبة للملكـوت الذى كلّـفه دمـه.

- أمّـا تحـديد خطـية الزنـا أنهـا تفسخ هـذا العـقـد أو هـذا السرّ، فلأن الذى وثَّـق السر هـو الـروح القـدس، و يستحـيل أن يجتمـع الـروح القـدس والزنـا.

- فالـروح القـدس يظـلّ ساهـرًا عـلى سرّ الزيجـة يمـدّه بالمشورة والمعـونة للتغـلّب عـلى صـعـاب الحـياة، و لكـن بمجـرّد أن تحـدثخطـية الزنـا ينسحب الـروح القـدس مـن السرّ وتنفـك الوحـدة من تلقـاء ذاتهـا حتى بدون طـلاق. فالطـلاق هـنا إنّمـا يأتى تحصـيل حاصـل، فخطـية الزنـا تُحسب أنهـا ضـربة مـن الشيطـان عـنيفـة موجَّـهة لقـداسة السرّ وعـمـل الـروح القـدس. لذلك أصبحـت الكنيسة ملزمـة أن تُجـرى الطـلاق بكـل حـزن وأسى، وكأنها تجـرح نفسها و تقطـع جسدها بيدها!!

- ولكـن إن أحس الزوج والزوجـة بهـذه الخطـورة التى تبلغ حـد الجـريمة في حـق الشريك والأولاد والمسيح والروح القـدس، واستطـاع المخطئ أن يعـترف ويتذلل ويطـلب الغـفـران، فالغـفـران هـنا لا يُمنـع عـلى أساس دم المسيح القـادر أن يقـدّس بعـد نجاسة ويحيى مـن المـوت!!

+ " يَا اِمْرَأَةُ أَيْنَ هُمْ أُولَئِكَ اَلْمُشْتَكُونَ عَلَيْكِ؟ أَمَا دَانَكِ أَحَدٌ؟ فَقَالَتْ:  لاَ أَحَدَ يَا سَيِّدُ . فَقَالَ لَهَا يَسُوعُ:  ولاَ أَنَا أَدِينُكِ. اِذْهَبِي وَلاَ تُخْطِئِي أَيْضاً" ( يوحنا 8: 10. 11)

وحينـئذ تقـوم الكنيسة بواجـبات التطـهير, وإعـادة قـوة السر.

- ولكـن بعـد هـذا نقـول إنه يلـزم جـدًا للـزوجين أن يدركـا حـقيقة سر الزيجـة عـلى هـذا الأساس، حـتى تتقـدّس عـلاقتهما معـًا بالوعـى الروحـي لقـيمة هـذا السر العـميق و الضـارب جـذوره فى ملكـوت الله.

- ومـرة أخـرى نُـوَعّـى، أن مـن الاتحـاد السري بين الرجـل والمـرأة فى سر الزيجـة، ينشأ كـيان زيجـى جـديد من الاثـنين، فائـق عـلى كـيان كل ّ منهما بمفـرده. فذات الرجـل, و ذات المـرأة, أنشأا باتحـادهما ذاتـًا جـديدة أقـوى وأعظم من كل منهما، هـي مصـدر حـبهما الشديد و مصـدر عطفهما عـلى بعـض، وهـى بمـثابة مجـال جـديد جاذب لكـلّ منهما نحـو الآخـر، هـذا يحسّه مَـنْ نجح فى تكـريم حـياته الزوجـية. فلـو انفـتح وعـى كـلّ منهما عـلى هـذه الحقيقة وعـاشا معـًا فى ظلّها, يصـعـب جـدًا, بلّ من المستحـيل أن يخـون أحـدهما الآخـر.

- لذلك أتمنى أن تتشدّد الكنيسة عـلى سمو هـذا السر العـميق والفـائق، لأن في إدراك هـذه الحقائق تتقـدّس الوحـدة، و تثمـر لحساب الكنيسة والمسيح.

الاثنين، 6 يونيو 2011

[عن كتاب: الكتاب المقدس رسالة شخصية لك -- المؤلف: الأب متى المسكين -- الطبعة الثانية: 1987م -- صفحة: 12 - 16]

      

توجد كتب علمية وتاريخية وأدبية تبحث عن الحق أو الحقيقة في كل صورها داخل الإنسان وخارجة، وتلقي أضواءً على المعرفة بكل أنواعها فيما يخص الإنسان أو الحقيقة كلها، وهذه تناسب عقل الإنسان و تهدف إلى صحة جسده وتزيد من إدراكه وتُغني من تراثه الفكري والحضاري.

ولكن الكتاب المقدس ليس كذلك، ولا ينبغي أن ندخل إليه من هذا المدخل. فالكتاب المقدس رسالة شخصية من الله للإنسان مباشرة تهدف إلى خلاصه والإرتقاء بروحه لتعده للحياة الفُضلى، أى للحياة الأبدية.

وفي هذه الرسالة يوضح الله نفسه للإنسان بصورة شخصية خاصة جداً يكشف فيها عن قدرته الفائقة لتُضاف إلى ضعف الإنسان، وعن حبه الفائق ليمتلىء به في قلبه، وعن قداسته ليلبسها فيستر بها عريه، وعن إمكانياته الهائلة في الصفح والغفران والغسل والتطهير للدخول في حياة بنوَّة جديدة لله ليرتاح ضمير الإنسان بهذا الرجاء. ثم من خلال هذا الكشف العميق عن هذه الصفات الإلهية الفعالة المحيية للإنسان يدعو الله الإنسان ويُهيَّئه للدخول معه في شركة حياة صادقة طاهرة، فلا يعود الإنسان تائهاً يتلمس الخلاص بعقله وإمكانياته.

والشركة التي يدعو إليها الله ليست وهمية ولا هي بالكلام القائم على الإقناع البشري، بل اسَّسها المسيح بدمه. إنها شركة تقوم على العطاء والأخذ: الله فيها يعطي روحه، يعطى دمه، يعطي نفسه من خلال عطاياه ومواهبه؛ والإنسان يأخذ ليزداد ارتفاعاً فوق نفسه وتزداد إمكانياته في استيعاب أمور فائقة على إمكانياته، لأن هذا من صميم طبيعة عطايا القدير.

ولكن أعجب ما في هذه الشركة أن عطاء الله لا يتوقف على أخذ الإنسان، فالله يعطي مواهبه بالروح بلا حدود، بلا كيل ولا ميزان، حسب سخاء طبيعته الفائقة. لذلك أصبح الجهد كله متوقفاً على قدرة الإنسان في التصديق، ثم الأخذ، ثم الإستيعاب.

بهذا تنكشف وتجدد طبيعة الكتاب المقدس أمامك إيها القارىء، فأنت حينما تقرأ الكتاب المقدس لا ككتاب معرفة وعلم إنما كرسالة من الله لك شخصياً، كصك ميراث به حقوق مختومة بعهد الله، فلن تعود مجرد قارىء بل آخذاً ووارثاً. ولا يعود الكتاب المقدس كتاباً للقراءة للعلم، بل صك ميراث ومفاتيح خزائن لعطايا ومواهب إلهية، وفي كل عطية مطبوع اسم وختم الله وصورة شخصية ليسوع المسيح، صورة حية مهداة لك لتضعها في القلب إن كنت تصدقة وتأخذ وتملك، فتحييك وتجعلك أكثرر شبهاً لله وتحركك وتدفعك وتشجعك لتدخل إلى عمق أكثر في هذه الشركة، في البر، في القداسة، في الحق.

                                                       * * *

كل الذين دخلوا في هذه الدائرة – دائرة الرسالة الإلهية – أى الكتاب المقدس، تعرَّفوا على الله وقبلوا منه دعوة دائمة للدخول إليه وانفتحت امامهم خزانة عطايا الله ليأخذوا على قدر سعيهم في الأخذ، فاستوعبوا كل مقاصد الله، وتعرفوا على إرادته الكاملة المرضية من نحوهم، وقليلاً إذ حل الله في أحشائهم دون أن يدروا تغير حالهم وتبذل شكلهم وتجدد ذهنهم وتقووا من ضعفهم، وانطلقوا يبشرون بما رأوه وسمعوه وذاقوه، خبرات فوق خبرات، وهكذا تحول الإنجيل فيهم من رسالة إلى خزانة إلى شهادة، ثم بشارة بحب الله الفائق.

ولقد تجمعت شهادات الذين ذاقوا الرب واختبروه في مجال الكتاب المقدس على مدى الأجيال حتى صارت هذه الشهادة بحد ذاتها جزءاً لا يتجزأ من صميم رسالة الإنجيل الذي يؤكد لنا ربحنا المضمون، وتحرضنا على دخول هذا المجال واثقين من النهاية قبل البداية!

بصمات الكلمة على القلب:
حينما تقرأ الكتاب المقدس، كرسالة خاصة لك آتية إليك من الله، بوعي روحي والقلب يكون مفتوحاً ومستقبلاً باستعداد الطاعة و الفرح، تأخذ الكلمات مسارها إلى أعماق الضمير والوجدان الروحي، فتحرك وتشكل وتطبع تأثيرها الإلهي الفعال كبصمات حية مميزة لمشيئة الله ومسرته ينتعش لها الضمير وتسل لها الدموع من فرط الإنطباع المريح الذي تتركه الكلمة على الإرادة والضمير، فتصيغ النفس صياغة جديدة أكثر قرباً واكثر شبهاً لإرادة الله ومسرته فتدفع الإنسان للشكر والإستزادة من التقدم نحو الله في نور الكلمة. وكأنما المسيح يمسك بيد الإنسان ويقوده ليعبر به مآزق الحياة وظلمات هذا الدهر حتى يوصله إلى قلب الله الآب.

صراع منهجين:
وهكذا إذا أخذنا الكلمة مأخذاً عاماً بالفكر الحر المطلق فقط، فإنها تحرك العقل للفحص والسؤال ثم الشك. ولكن إذا أخذناها مأخذاً شخصياً بالروح المنسحق – كما قلنا – كرسالة حية، فإنها تحرك القلب للتطهير والتقديس والنمو بكل تقوى وكل إيمان.

هذان المنهجان قائمان أمامك أيها القارىء، ولك أن تختار:
فإذا اخترت المنهج الأول دون الثاني، تتلقفك في الحال علوم الفحص والتحليل والنقد، وأخيراً ظلمة الشك.

أما إذا اخترت المنهج الثاني، فإنه تنبري لك خبرات الآباء والأنبياء والرسل والقديسين تزكي لك سيرة القداسة وشهادة الروح في عمق الضمير لتبني عليها حياتك الجديدة بإيمان اختباري، فتستطيع أن ترد على كل تشككات الفكر وعلوم النقد والتحليل من إيمانك واختبارك.

ولكن أخطر الأمور أن يبدأ الإنسان بالمنهج الأول، لأنه سريعاً ما تنصد النفس عن علم لا عائد له ولا سند، وبهذا يصبح الكتاب المقدس ثقلاً على العقل وربما عدواً للضمير الذي لا يجد فيه راحته فيخافة ويحتقره ويتحاشاه، لأنه كلما اقترب منه يشعر باغترابه عن الحق، وبالتالي يشعر ببعد الله عنه!

أما إذا توفر الإنسان في بدء حياته على المنهج الثاني فإنه سيختبر كيف تقبل النفس على الكتاب جائعة إليه، كخبز كل يوم ليومه، كلما أكلت منه عادت إليه أشد جوعاً، ولكما ارتون بمائه الحي زاد تعطشها نحو الله وانطفأ عطشها نحو العالم. وكلما كثر تطلعها القلبي نحو مصيرها الأبدي؛ كلما انطبع نور وجه الله عليها كختم منير دون أن تشعر هي بشىء، فيراها الناش مضيئة، بينما لا ترى هي من ذاتها إلا ضعفها المحصور في حب الله!! وحينئذ تستطيع النفس أن تواجه باتساعها واستنارتها وحبها كل تحديات علم العالم وتشككه، وكل عنف عقل الإنسان عندما يضيق باتساع حب الله وتنازله في كتابه المقدس

إذن، فمشكلة تحدي العلم كمنهج يصارع العقل والمنطق والضمير عند تناول الكتاب المقدس هي مشكلة محلولة عندما يبدأ الإنسان بالروح لا بالحرف، بالخبرة قبل الدرس، بالرؤيا قبل السير، بالحب قبل التأديب.

السبت، 4 يونيو 2011

رسالة كتبت لأحد الأحباء (في مناسبة انتقال الابنه الوحيدة له)

                 
                           


عزيزي وأخى في الرب نعمة و بركة و سلام لشخصك المحبوب.أتعشم في وجه ربنا يسوع المسيح أن تكون في ملئ تعزية الروح القادر أن يسكب في قلبك من فيض مراحمه هبة السلام لتظل في تعزية دائمة.

- لقد تأخرتُ في الكتابة إليك، و كأنما قد ادخر الله كل مشاعري نحوك لأُقدَّمها في الوقت الُمعين، إن كان خطابي هذا ربما يكون آخر ما وصلك من تعزيات. كما أظن أنى قد أضعتُ فرصة حسب منطق الناس، إذ اعتقد أن انتقال ابنتنا المحبوبة ( ... ) ليس بحادثة تُنسى أو يتقادم عليها العهد بمضيَّ الزمن. غير أنى اقصد في تعزيتي شيئاً أسْمى مما يتعارف علية الناس الذين يعتبرون التعزية اشتراكاً في الحزن أو دعوة إلى نسيان الحزن ذاته، بل أرجو بنعمة ربنا الرب و معونة الروح القدس أن أكشف لمحبتك شيئاً أسْمى عن حقيقة ذلك الانتقال الذي حازته ابنتنا المحبوبة.

- فان كان يُخطئ الكثيرون بجعل الموت واقعه من وقائع الحياة، إلا أننا نعتبره حياةً واقعة نحياها في هذا الدهر، فنحن نحيا الآن حياةً قوامها الموت يتخللها في كل مرحلة من مراحلها ويعمل في كل عضو من أعضائنا في كل لحظة إلى أن يتم عمله فينا وتكمل حدوده، وحينئذ نعبُر هذه الحياة المائتة لنحيا حياة الأبد غير المائتة . فالموت إذن كائن معنا في صميم كياننا وفي داخل كل عضو من أعضائنا يعمل فينا بشدة بالرغم من تجاهلنا. 

- ونحن لو توخينا الحقيقة و تأملنا ملياً في موضوع الموت، لوجدناه أهم و أعظم موضوع في هذه الحياة الحاضرة. بَيْد أني أريد أن أقول إنة ليس أعظم موضوع فحسب، بل هو أسْمى من أن يُدعى موضوعاً، إذ هو في حقيقته عملية تجريد كامل لكل موضوع و كل اهتمام في هذه الحياة. فالموت يُجرد الإنسان تجريداً من كل شيء حتى ذاته التي يعزها و يُحبها، ولا يبقى للإنسان إلا روح الحياة ذاتها وما ينسجم مع الخلود. فكأن الموت والحياة هُما خلاصة حقيقة الإنسان، وحتى الحياة مدينة في تكميلها ودوامها إلى الموت، ولذلك نجد إن كل نفس تشتهي حياة الخلود لا تجزع من الموت لأنه بابُها و الطريق إليها.

- وحينما تسمو روح الإنسان وتتكشف أمامه هذه الحقائق الثابتة ويعرف إن الموت كائن فيه ومُمكن أن يتم فيه  في أي لحظة، فإنه يشعر بما تتصف به الحياة من بطلان، فلا يعود ينطوي تحت مغرياتها ولذلتها، ولا تعود الأشياء التي في هذا العالم تستأثر بتفكيره واهتمامه بالحياة الخالدة واعتباره بأهمية الموت وحقيقته. ويستطيع الإنسان الواعي لوجوده أن يدرك بسهولة انه موجود ليموت و أنه يموت ليحيا.

- ومهما حاولنا أن نُخفى هذه الحقيقة الجوهرية عن أنفسنا، أي أننا موجودون للموت؛ فهي لابد وأن تستظهر على جميع معارفنا و إدراكتنا يوماً. ويُخطئ الكثيرون إذ يعتبرون الموت حادثاً اضطرارياً فيمثلونه بالجبار الطاغي الذي يخطف الناس و يبتلع البشر، مع أن الموت كما قلتُ لمحبتك ليس بعامل خارجي عنا، بل هو فينا  يكمَّل وجودنا و يسوقنا إلى حياة أفضل.

- لذلك لا نستطيع أن نقول أنة قاسٍ أو طاغٍ أو ظالم، فهذه أوصاف جاهلة لعدو غير موجود أصلاً. وإن شئت فقُلْ إن الموت يعمل بهمة ونشاط من اليوم الأول الذي نُولد فيه، ونحن نتركه يعمل فينا بحريتنا إذ نتقبل وجودنا وحياتنا بمسرة وبمنتهى الحرية، فنحن نتقبل الموت أيضاً كذلك لأنه جزء لا يتجزأ من وحودنا، إذ لا يُمكن أن نفصل الموت عن الوجود بأي حال من الأحوال. والذي لا يريد أن يقبل الموت فهو ينكر وجوده، وهذا منتهى الجهالة بالحق، فالوجود هو الله.

- وعلى هذه الحقيقة العظمى "الوجود هو الله"، نقرأ قول السيد إن: " مَنْ أهلك ذاته من أجلي يجدها ".  وهذه دعوة عجيبة لتحقيق الوجود في الخلود على أساس إماتة ألذات! ولكي يؤكد السيد المسيح هذه الحقيقة العظمى عاد فعكس الوضع ليُظهر منتهى الخسارة التي تعود على مَنْ يتجاهل أهمية الموت قائلاً: " و كل مَنْ وجد ذاته يُضيعها" (مت10:39). وهذا أيضاً تحذير عجيب من ضياع الوجود والخلود بسبب الإبقاء على الذات. هذا هو الموت الذي يريد بعض الناس أن يتجاهله و يخشاه البعض الآخر، ويعتبره الجميع عدواً، مُعطين إياه ركناً مظلماً في مشاعرهم، جاعلين إياه خاتمة حزينة للحياة، مع أن الموت كما شرحتُ لمحبتك هو نسيج الحياة: سُدَته الأيام و لُحْمته الآلام، فاليوم فرسخ من فراسخ الموت، والألم موت لم يتكامل بعد.

- فإن كان يستطيع أحد من الناس أن يتجاهل الأيام أو يتجاهل الآلام،  صحَّ له أن يتجاهل الموت، وهل يُمكن؟!

- إذاً، فليس في الوجود حقيقة أظهر من الموت و لا أهم منه إلا الحياة ذاتها، والموت طريقها. ولكن هل يُمكن أن نتقبل الموت في أحبائنا دون أن نتألم ؟ إن منْ يقول ذلك فهو يتجاهل الحقيقة أو يجاهلها، و كل مَنْْ يدعو إلى ذلك فهو إنما يُحاول إن يُجرَّد الإنسان من عواطفه و مشاعره.

- وها أنا بكتابتي إليك، انزع إلى توضيح قيمة الموت و تعظيمه، لأن في ذلك تلامساً شديداً مع الحق. كذلك فإني لا أريد أن أستصغر قيمة الألم، بل على النقيض أود لو أستظهره و أستوضحه لان في ذلك تلامساً أشد مع الحق، إذ أن الألم لازمة من لوازم العنصر الإنساني، بل إنه كلما ارتقت مشاعر الإنسان وازداد نُبْله ازدادت قابليته و استشعاره  لنواحي الألم العديدة. وها هو السيد المسيح يدخله  كعنصر أساسي في برنامج الخلاص الأبدي و يضع ذاته تحت كل مطالبه، و لم يتجاهل الموت المتحصَّل منه (من الألم)، بل كان يرى ظل الصليب ينعكس على كل خطوة و يمتد أمامه في الأفق البعيد فتقبَّله بل وارتقبه. وهو لما تحمل الآلام تحملها دون أن يكون مستحقاً لها، فاستطاع أن يُقدم لنا حلاً و جواباً عملياً مقنعاً لأعقد مشكلة واجهت البشرية، وهى: "لماذا أتألم ؟" فهو تألم مع كونه غير خاطئ وبالتالي غير مستحق للألم و لا للموت، ولكنه قََبِلَ أن يتألم بإرادته ومسرته ليرفع قيمة الألم أمامنا من مُجرد عقاب على خطية إلى صورة رائعة من صور المحبة ! المحبة من نحو أبيه ومن نحونا، هذه المحبة التي حوَّلت – في اعتباره - الألم إلى لذة، و بذلك لم يعُد الألم في طريق حياتنا عقاباً على خطية، لأن المسيح بآلامه و فىَّ جميع ديوننا، بل صار الألم طريقاً عمليا لإظهار الإيمان بقبول الألم بمسرة كمشاركة فعلية في يوم الصليب.

- ونحن لم يُوهب لنا في عالمنا الحاضر فرصة أو وسيلة يُمكننا أن نُعبَّر بها عن حبنا للمسيح أعظم من أن نتألم فرحين، على حد قول بولس الرسول مكمَّلين آلام المسيح في أجسادنا  وحاسبين أنفسنا أهلاً أن نتألم معه على نمط تألمه؛ أى عن حب لا عن اضطرار.
- وإن كان يدَّعي بعض العلماء و الأطباء أن الانتصار على الألم يكون بتجاهله أو الانشغال عنه بنوع من أنواع التسلية اللذيذة، إلا أن هذا ليس بالنصح الرشيد، فلن يُمكن الانتصار على الألم بتجاهله أو بالانشغال عنه، لأنه بذلك لن يكف عن أن يهدَّ في كياننا العصبي والنفسي، ولن يتم الانتصار على الألم إلا بتقبلُّه قبولاً حُراً متعرفين على أسبابه و أهدافه، إذ أن قبول الألم و الارتضاء به فيه نصرة أكيدة وعجيبة، خصوصاً إذا كان قبولنا له على أساس حبنا للمسيح و مشاركتنا حياته، كما تقبَّله المسيح حباً لأبيه ولنا. ويقول الرسول عن ذلك معبراً تعبيراً عميقاً: "لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أن تتألموا من أجله" ( في 1: 29). وفي هذا أيضاً يفتتح يعقوب الرسول رسالته قائلاً: " احسبوه كل فرح يا إخوتي حينما تقعون في تجارب متنوعة" (يع1:1)

- هوذا يا أخي نحن نودع هياكل أجسادنا التراب لتَبلَى وتعود إلى التراب الذي نمت وتربت فيه، أما هياكل أرواحنا فهي أعظم من التراب و أعظم من الكاتدرائيات العظمى التي نظن إنها تُقدَّس أرواحنا، لأن روح الإنسان من الله. لهذا فهي لها كرامة أفضل بقدر فضل باني البيت عن البيت نفسه، فإن كانت علائق حبنا ورُبُط أُلفتنا جسدية فقط، فما أضعفها علائقَ و ما أهونها رُبُطاً، لأنها تكون وشيكة الضياع سريعة الزوال، والزمن الحقير في سنين يسيرة قادر أن يُضعفها و يمحوها !

- أما إذا كانت أُلفتنا روحية و حبنا ووحدتنا قائمتين على أساس عمل المسيح في توحيد المؤمنين به، فهذه تكون أُلفة الأبد ومحبة الخلود التي لا يقوى الزمن مهما طالت به السنون أن يُضعف من شدتها. فهل نرفع علائقنا بأحبائنا  سواء الذين سبقوا فرحلوا أم الذين أُعطِى لهم زمانٌ قليلٌ بعد  فنكمَّل معهم وحدة الخلود الأبدية في شخص المسيح؟ فلا تعود العواطف الجسدية والحنين إلى صور الوجوه فقط يستأثر روحنا، بل نسمو بأرواح أحبائنا و صورهم لنراها حية خالدة مطبوعة على قلب المسيح يربطنا بها روح المسيح الحي فينا.

- نعم ليتنا نسمو في تقديرات حوادث هذا الدهر، عالمين أن كل ترتيبات البشر الزمنية ستؤول حتماً إلى الانحلال ثُم إلى الزوال، ولن يبقى من هذه الضجة الكبرى التي نحن في موكبها، من الطفولة إلى الانتقال، إلا ما ينسجم مع قانون الخلود.

- وسيان ما تُبْطنه الحوادث وما تُظهره، أكان جميلاً مسراً أم أليماً مُحزناً. نعم، سيان ما تبطنه الحوادث، فكل الحوادث التي نعبُر بها أو تعبُر بنا، سوف تتصفي جميعها و تغتسل في نهر الحق الأبدي، و لن يبقى من كل ما عملت أيدينا و ما اشتهت قلوبنا إلا ما هو جليل و حق.

- وما أعظم الحياة التي تتلامس نسماتُها التي تنبعث من قلوبنا مع الحق و مع الله! فحياة مثل هذه تخط ُّفي كياننا الروحي صورة ملموسة عن الخلود الذي نحسه و نُحبه. و لو انكشف الحق في قلوبنا، لأدركنا إننا نجاهد يومنا و عمرنا لحساب هذا الخلود الذي سنحياه،  ولصار بذلك أمر الموت مبهجا عندنا كالحياة.

- لذلك أكتب إليك أيُها الأخ العزيز إلى نفسي و إلى قلبي، يا منْ استودعت ابنتك  لدى أذرع يسوع التي هي أحسن و احنُّ و أحبُّ من ذراعيك، لكي تتعزى تعزيةً حقيقية دائماً، لا بتناسي الموت بل بتذكُّره, عالما أن ( ... ) قد انتقلت لتكون أكثر قُرْباً إلينا، إن كُنا نحيا في حقيقة الحياة لا في صورها الزائفة.

        كُنْ معافى باسم الثالوث الأقدس.

                                                                          
                                                                          القمص متى المسكين
                                                                  (عام 1959م)