الثلاثاء، 14 يونيو 2011

مواظبين على الصلاة

مواظبين على الصلاة -- عن كتاب: [شرح رسالة القديس بولس الرسول إلى أهل رومية] للأب متى المسكين

                               "مواظبين على الصلاة"
                                                   (رومية 12:12)

- أمر الصلاة معروف ولا مزايدة عليه، والحديث فيه يملأ كتباً، ولكن الذي يقصده القديس بولس هو المواظبة. والترجمة العربية هنا ميتة لا تفي بتوضيح الكلمة، والكلمة اليونانية معناها الحرفي "الأستمرار بعزيمة او بشدة"، وتأتي بالإنجليزية: Steadfastly continuing، ووجدتها في القاموس الكبير تعني أن يدوم بعناد ويلتصق بشدة persist obstinately . والذي نود أن نوجه إليه فكر القارئ أن الصلاة شيء، والصلاة المستمرة بشدة وعزيمة شيء آخر.

- الرب يسوع أراد مرة أن يوضح قوة الصلاة المستمرة بشدة فعرفها كالآتي: "أفلا يُنْصِف الله مختاريه الصارخين إليه نهاراً وليلاً وهو متمهل عليهم؟ أقول لكم إنه ينصفهم سريعاً." (لو18: 7 و 8)

- هنا "الصلاة المستمرة بشدة وعزيمة" قد وضع الرب مواصفاتها، فهي "صراخ" وليست مجرد صلاة وكأنها تسليم رسالة، وصراخ يبدو أنه لا يَكُفُّ بالنهار وبالليل. وفي المقابل فإن الله يظهر في البداية وكأنه متمهل كأنه لا يسمع، لماذا؟ لكي يرنفع الصراخ إلى مستوى الصراخ الحقيقي. لماذا؟ لكي ترتفع طاقات الروح والوعي للتلامس مع مشيئة الله وتكون على مستواها. حينئذ يستجيب الله سريعاً دون إبطاء. فعند بلوغ مشيئة الإنسان الإيمانية الحرّة الصادقة من كل الوعي والروح والكيان إلى مستوى مشيئة الله، يتحرك الله في الحال بالاستجابة مهما كلَّف الله ذلك، حتى وإلى أن يعطي الإنسان ما لم يكن مستعداً أن يعطيه: "حوَّلي عني عينيكِ فإنهما قد غلبتاني" (نش6: 5)، "ملكوت الله يُغصب والغاصبون يختطفونه (بدموعهم)." (مت11: 12)

- في صلاتي، مثل كل من يصلّي، اكتشفت أنه يوجد على مسافة زمنية من بدء الصلاة حاجزٌ عرفته من التكرار، فهو حاجز خطر، وهو الذي تسقط عنده ألوف الصلوات فارغة، هو "حاجز الملل" فبعد أن يبدأ الإنسان الصلاة بحرارة نوعاً ما وإذ يطول وقت الصلاة وتضعف العزيمة يبدأ الإنسان يتراخى فيصطدم بحاجز الملل، فيختم الصلاة ويكتفي بالعودة إلى ما كان منشغلاً فيه. فلما تكرر الحال وتعرَّفت على حاجز الملل وأدركت أن وراءه أصبع العدو، صممت أن أخترقه بأي ثمن، فاستنجدت بروح الله، وظللت أُصلي بصراخ أنْ نجني يا رب من الملل، فنجَّاني، وعبرت حاجز الملل، فوجدت الصلاة وقد امتدت إلى ما شاء الله، حتى قلت كفى يا رب إن هذا هو الملكوت!

- ق. بولس يطلب من المؤمنين أن يتعرَّفوا على هذا النوع من الصلاة ويتخذونه عُدَّتهم في الجهاد والصبر. لذلك نجده يذكر هذا النوع من الصلاة بعد أن قال: "غير متكاسلين في الاجتهاد، حارين في الروح، عابدين الرب، فرحين في الرجاء، صابرين في الضيق"، ذلك "بالاستمرار في الصلاة بعزيمة وعناد وبشدة". وفي الحقيقة فإن هذا يُعتبر بحد ذاته سراً من أسرار حياة الإيمان للإنسان المسيحي يقدَّمه ق. بولس في اختصار وفي لغة تحتاج إلى مَنْ يدقَّق فيها ويكتشف معناها ومقصدها، وهوذا الرب أعطانا أن نكشفها. فلو أنت عملت بها، عرفت معنى الصلاة وقوتها!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق